قلت لهذا تركت الصلاة؟ قال: نعم. قلت: لماذا تأكل إذن؟ قال: لماذا لا آكل؟! قلت: لأن بين من يأكلون من هو لص خبيث ساقط محتال. قال: ما لي وله؟ الأكل ضروري لحياة الجسد. قلت: والصلاة ضرورية لحياة الروح، فما لك ولهذا الذي قلت إنه دجال؟
فسكت. قلت: وشيء آخر، هل تعتقد أن رفيقك الدجال المحتال يصلي؟ قال: نعم. قلت: لا يابني، إنه ما صلى. (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)؛ هذا قول الله، وقد شرحه رسوله صلى الله عليه وسلم فبيّن أن من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، وكان قد فعلها رياءً وتظاهراً، لم يزدد من الله إلا بعداً. انظر إلى كاتب الأمير الذي يدخل عليه كل ساعة مرة، هل يخرج من عنده فيتكلم عليه أو يشتغل بما لا يرضيه ويخالف عن أمره؟ وكيف، وهو يعلم أنه سيدخل عليه بعد ساعة وسيسأله عمّا فعله؟
فكيف يأتي الفحشاء والمنكر من يدخل الحضرة الإلهية ويقوم بين يدي الله خمس مرات كل يوم؟ لذلك شبه الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الصلوات الخمس بنهر على باب المسلم يغتسل فيه خمس مرات في اليوم. هل يكون وسِخَ الجلد قذر الجسد من يغتسل خمس مرات في اليوم؟ لا، إن صاحبك ما صلى، ولو قام وقعد وركع وسجد وتلا وذكر، وأدى الشروط الظاهرة والأركان والواجبات والسنن. هذا كله جسد الصلاة، فإن لم يكن معه الإخلاص وحضور القلب كانت صلاته جسداً بلا روح. ص157 ـ 159.
5 ـ نحن لا نعرف قيمة صلاة الجماعة. إن هذه الجماعة مثل المجالس المحلية التي تعمل على كل ما فيه خير للحارة، تقر التكافل الاجتماعي فتعين المحتاج وتساعد الفقير وتداوي المريض، وإن احتاجت الحارة إلى إصلاح طريق راجعت الجماعة الحكومة لإصلاحه، وإن ضاقت المدرسة سعت لتوسعيها، وإن كان فيها مفسدة أو منكر عملت على إزالته. والمجالس المحلية تجتمع خمس مرات كل يوم.
هذه المجالس المحلية للحارات. وهناك مجلس محلي للحي كله يجتمع مرة في الأسبوع، وهو صلاة الجمعة، ومجلس للمدينة كلها يجتمع مرتين في السنة، وهو صلاة العيد، ومجلس إسلامي عام، وهو المؤتمر الذي ليس له نظير في الدنيا ولم يعرف البشر قبله ولا معه مثله، وهو الحج. إن الصلاة هي أساس صرح الحضارة الإسلامية، وهي الدافع لهذه الفتوحات، هي الركيزة لهذا المجد الذي نطح النجم ودان الدهر. إن المسلمين سادوا الدنيا وكانوا هم ملوكها وكانوا أساتذتها، وكانوا هم حملة منار الحضارة فيها، لما كانوا يصلّون حقيقة وكانت صلاتهم جسداً وروحاً، لم تكن كصلاة كثير منا: جسداً بلا روح. فهل نعود إلى مثل تلك الصلاة ليعود لنا مثل ذلك المجد. ص 161 ـ 162.
ـ[أبو الفداء أحمد بن طراد]ــــــــ[21 Jul 2010, 12:56 ص]ـ
ما منا إلا من نال لذة في معصية، أو حمل ألماً في طاعة
قال الشيخ علي الطنطاوي: " إن أجلَّ فائدة استفدتها من كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي لما نشره أخي، وكتبت مقدمته الطويلة هي أنه: ما منا إلا من نال لذة في معصية، أو حمل ألماً في طاعة، في رمضان هذا الذي صمناه من قريب حملنا مشقة الجوع في يومه الطويل، والعطش في حره الشديد، وكنا نشتهي في النهار كوباً من الماء البارد نشتريه بالثمن الوفير، وطبقاً من الطعام الشهي ندفع فيه الكثير، فما الذي يبقى من تعب الصيام بعد أن يؤذن المغرب فنأكل ونشرب؟
والذي غلبته نفسه، وسيره شيطانه، فأفطر في رمضان، وأعطى نفسه شهوتها، وأتبعها لذتها ..... ؟ ماذا بقى الآن من هذه اللذة، ومن ذلك الألم؟.
وتصور ساعة الموت، وفراق هذه الدنيا، تجد أن اللذات المحرمة ذهبت كلها ولكن بقى عقابها، ومتاعب الطاعات ذهبت كلها
ولكن بقى ثوابها.
هذه هي الفائدة التي استفدتها من ابن الجوزي، أتمنى لو أني أذكرها دائماً، وهيهات ما
دام الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وحب العاجلة، ما دامت كلها موجودة! ".
(ذكريات علي الطنطاوي، للشيخ علي الطنطاوي، ج2، ص 105ـ 106، دار المنارة، جُدة، 1405هـ).
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[24 Jul 2010, 01:11 م]ـ
أحسنت يا أبا الفداء أحسن الله إليك وبارك الله فيك، وليت الإخوة يوحدون الخط في جميع المشاركات.