في الحديث الأول قد أقرهم على القول بالشهادة لمن هم قبل صاحب البردة؟ وفي الحديثين نهي عن القول لعلة وهي الغلول ولم يطلع عليها غيره صلى الله عليه وسلم.
فيقال: هذا في حضوره، وإقراره صلى الله عليه وسلم من سنته ولأنه نبي يوحى إليه، أما بعد وفاته فلا يجزم به لانقطاع الوحي كما هو ظاهر.
4 - حديث أول من يقضى بينهم يوم القيامة:
ومما يستدل به المانعين قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. الحديث .. متفق عليه.
ووجه دلالته أنه قال: رجل استشهد، أي حسب الظاهر، وقد بان من الحديث أن الأمر على غير ذلك فيؤخذ منه عدم القطع له بالشهادة.
والبعض يستدل بقوله: استشهد، أي أن الناس سموه شهيدا!! كذا قال، والعجب والغرابة من هذا الاستدلال .. فهلا استدل بأصل سياق الحديث وأنه للنهي عن الرياء والسمعة والتدين بالإخلاص .. ثم يرى خاتمته فيوقن أن مساق الحديث يؤكد على النهي في القطع لأحد بالجنة وإن رآه قاتل وقتل.
الدليل الثاني: الشهادة النبوية خاصة:
ومن الأحاديث الفاصلة في هذه المسألة والتي لم أر أحدا ذكرها في معرض النقاش حول هذا الموضوع، ألا وهي شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه نصا على صحة الشهادة للمعين .. ويحضرني في هذه المسألة ثلاثة أحاديث:
الحديث الأول: حديث الصحابي في غزوة خيبر وقد أعطوه من الغنائم فقال لرسول الله: ما على هذا تبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمي إلى ها هنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت، فأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك .. فلبثوا قليلا .. فأصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه .. وقال: اللهم هذا عبدك، خرج مهاجرا في سبيلك، فقتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك ".
أخرجه النسائي (1/ 277) والطحاوي (1/ 291) والحاكم (3/ 595) والبيهقي (4/ 15) وعبد الرزاق وصححه الألباني في صحيح النسائي رقم 1845.
والحديث الثاني: حديث غزوة مؤتة: وقوله صلى الله عليه وسلم في حديثه:
ثم أخذ اللواء جعفر بن أبى طالب فشد على القوم حتى قتل شهيدا، أشهد له بالشهادة فاستغفر له الناس ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فثبت قدميه حتى قتل شهيدا، أشهد له بالشهادة فاستغفروا له فاستغفر له الناس .. الحديث
رواه أحمد والبيهقي وابن حبان والنسائي في الكبرى وصححه الألباني.
والحديث الثالث:
في قصة ثابت بن قيس بن شماس وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة.
الحديث ضعفه الألباني في الضعيفة (رقم 6398) لكن قال في آخره: أن ما في الحديث من شهاداته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثابت بن قيس بأنه من أهل الجنة، وخوفه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ من رفعه صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم قد صح ذلك من حديث أنس عند البخاري (3613)، ومسلم (1/ 77) وابن حبان (7124) والبيهقي (6/ 354)، وأحمد (3/ 137 و 146)، وغيرهم من طرق عن أنس، وفي بعضها أنه قتل شهيداً يوم اليمامة. رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. اهـ
قلت: في رواية البخاري من حديث أنس: قال له: اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة.
وعند ابن حبان: يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟
قال: بلى يا رسول الله، قال: فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب.
والشاهد من هذه الأحاديث الثلاثة ظاهر، وهو أنه جزم لهم بالشهادة خاصة ..
أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعيين البعض وتسميته شهيدا ..
فهو كثير جدا .. مثل شهادته لعمر وعثمان بالشهادة في حديث الصحيحين: أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ..
ومن ذلك قصة عامر بن الأكوع عم سلمة
وقصته في الصحيحين، لما كان في خيبر أصاب ركبته بسيفه فمات منها ..
¥