والحاكم ما هو إلا فرد من الشعب، وعندما يكون الشعب على بصيرة في أمر دينه وعلى وعي بحقوقه سيكون الحاكم على شاكلته كما قال الله تعالى: [وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا]. فالحاكم ما هو إلا فرد من المجتمع، وصلاح المجتمع يفرز الحاكم الصالح والعكس بالعكس. وإذا كانت هناك أهمية خاصة لقيادة الحاكم للدعوة الإسلامية على أساس أنه أقرب وأسرع للتأثير ولإنجاح الرسالة، إلا أن هذا لا يمنعنا أن نربي الشباب ونثقف الأمة ونبعث فيها عوامل التدين ونشجعها على الاستقامة.
واللوم الواقع على بعض العلماء هو النفاق الذي قد يتبناه قلة قليلة منبوذون من الله ومن الناس، والحق دائما أبلج والشعوب بحسها الفطري تستطيع أن تدرك الفرق بين كلمة الحق وكلمة النفاق.
* لا حظنا أن الكنيسة تتمتع بحرية أكبر .. فلا أحد يتدخل في انتخاباتها .. ولا في تمويلها فهل هذا ينطوي على شيء من المحاباة؟
** نحن دولة إسلامية والحاكم مسلم والشعب مسلم وبالتالي نحن ننظم أمورنا بما يحقق لنا الاستقامة والولاء لله ورسوله، أما ما يتعلق بأهل الذمة فهم متروكون يدبرون شئونهم الدينية بما يعتقدونه وما يرونه مناسبا لهم شريطة ألا يسيئوا إلى أحد من المسلمين، ولا يظاهرون علينا أحدا، فهذا من الحرية الدينية التي تكفلها الدولة الإسلامية لرعاياها غير المسلمين. وحرص الدولة على الإسلام وحرص المسلمين على دينهم هو أصلح مناخ لرعاية الحقوق لغير المسلمين. وأذكر أن واحدا من النصارى قال لي: يا أخي لقد كنا فيما مضى في حماية الإسلام عندما كان الإيمان يتغلغل في قلوب المسلمين، فلما خف الإيمان في نفوسهم أصبحنا في حماية القانون، ووالله إن حماية الإسلام أحب إلينا من حماية القانون.
* ما هو تقييمكم للحركة الإسلامية .. وهل ما يثار حول التطرف من أجهزة الإعلام حقيقي أم مبالغ فيه؟
** الإسلام واحد وليس هناك إسلام خارج الأزهر وإسلام داخل الأزهر، وعندما يتبوأ الأزهر مكانته اللائقة به فسوف يكون كشروق الشمس تختفي معه كل المصابيح.
لكن أتى علينا حين من الدهر لم يتبوأ فيه العلماء مكانتهم اللائقة نتيجة بعض الظروف فخلت الساحة من العلماء فنشأت قضية ما يسمى بالجماعات والأمراء وما شاكل ذلك.
وهذه الجماعات، وإن كنا نعتقد إخلاصها، إلا أنها ليست مؤهلة للدعوة ولا تملك القدرة الصحيحة على التعبير باسم الإسلام، فالدعوة الإسلامية تقوم على أركان ثلاثة: إخلاص وعلم وحكمه.
فالدعوة بغير إخلاص تصبح نفاقا وويل للمجتمع من كل منافق عليم اللسان، والدعوة بغير حكمة تصبح فتنة وشراً مستطيراً، فالعالم الداعية يعرف متى يقول الكلمة وكيف يقولها، والدعوة بغير علم تصبح جهلاً وفاقد الشيء لا يعطيه.
* كيف ترون حرب التنصير الشرسة التي تدور رحاها في معظم بلاد المسلمين؟ وما هي أهم أسلحتنا المضادة لمواجهة التنصير؟ وما دور الأزهر في هذا الصدد؟
** العداء للإسلام قائم، وسيظل قائما، ونتوقع من أعدائنا أن يفعلوا كل شيء وليس هذا بالجديد، وإنما القضية تكمن في ماذا أعددنا لمواجهة أساليب أعدائنا. فمواجهة التبشير ليس واجب فرد ولا حكومة وإنما واجب كل مسلم، وكل حكومة إسلامية. وهذه المواجهة ذات شقين: الأول هو الالتزام بالإسلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في كل دولة إسلامية التزاما أمينا بكل المعاني، والشق الثاني هو ما ينبغي أن تقدمه الحكومات الإسلامية للأفارقة والآسيويين الذين يتعرضون للضغوط التنصيرية. وأفريقيا يموت أهلها جوعا وهي الآن مهدده بخطر الإيدز، والمعونات الصليبية تتدفق إليها باسم الصليب مع أننا كمسلمين نملك من الثروات والإمكانات ما نستطيع أن نقدمه باسم الإسلام. إن التنصير في أفريقيا خصوصا يتجه في غالبيته إلى الوثنيين لأن أفريقيا بها ملايين الوثنيين الذين لا يعرفون دينا، وأهل الصليب يريدون أن يستحوذوا على هذه المجموعات الضخمة.
والمواجهة ليست فقط ببناء مساجد، إننا نريد المواجهة العملية الشاملة ببناء المدرسة والمستشفى وتقديم المأوى والطعام والكساء.
ثم إن ما يجب أن نعرفه هو أن النصرانية ليس فيها ما يغري أحداً على الدخول فيها والتحمس لها، وأهل الصليب يخدعون الناس بالعلاج والغذاء، والإسلام وحده هو الذي يقدم للناس العقيدة الصحيحة والمبادئ السامية.
* السوق الإسلامية المشتركة .. هل هي وهم أم حلم يمكن تحقيقه؟
** ليست وهما وليست حلما، كل الأسباب والعوامل تؤكد ضرورة الوحدة الإسلامية. ومن المآسي حقا أننا نملك أكبر تجمع عالمي في موسم الحج ولا تجد فيه بضاعة إسلامية، حتى المصلى التي نصلي عليها تأتي من الصين الشيوعية، وأصبح موسم الحج الإسلامي مجمعاً لكل منتجات العالم ما عدا المنتجات الإسلامية، وأصبح هؤلاء متفننين فيما يجذب المشتري في كل شيء وليس هذا عجزاً من المسلمين أو عن قلة ذات اليد.
وأذكر أنني رأيت في أحد مواسم الحج قماشا من اليابان مكتوبا عليه صنع من القطن المصري الممتاز .. فلماذا هذه الدورة الطويلة؟ ألم يكن من الأجدى أن يختصر الطريق فيأتي القطن المصنوع في مصر ليباع في مكة مباشرة؟.
إننا نرى أرضاً خصبة في السودان والصومال صالحة للزراعة ولا يستنبتها أحد في الوقت الذي تشكو فيه بلاد إسلامية مثل مصر من الزيادة السكانية.
إن أوروبا تجتمع اليوم سياسيا واقتصاديا، بلا دين ولا لغة ولا تاريخ، فدينهم مذاهب شتى ولغاتهم متفرقة، وتاريخهم أسود كله حروب ومنازعات، ومع ذلك يتخطون كل هذه العقبات ليقيموا وحدتهم، في الوقت الذي نملك نحن فيه كل عوامل الوحدة والثروات وما زلنا عالة على غيرنا.
حاوره/ أحمد وهدان
¥