وفي الواقع بالنسبة للاحتمال الأول: فإننا نجد في سفر دانيال قصة مشابهة لقصة إبراهيم عليه السلام حدثت لثلاثة من الشباب في عهد بختنصر حيث أحضروا وطلب الملك أن يحقروا فأصبحت النار عليهم بردا وسلاما، فقال الملك عند ذلك: تبارك إله الثلاثة.
فهم ينقلونها من غير استغراب أو نكير فكيف يستغربون حدوثها لإبراهيم عليه السلام وهو أفضل وأرفع من هؤلاء الثلاثة.
وأما الاحتمال الثاني: وهو عدم التواتر فغننا نجد القصة موجود عند الكنائس الشرقية (السريانية والنصطورية) التي بقيت في العراق والشام، وما زالوا يحتفلون في اليوم الخامس والعشرين من كانون الثاني بهذه المناسبة، فهذا يدل على حدوثها.
ولعل التفسير القريب في عدم ذكرها:
أن الأحبار والرهبان أنزلوها من المتن إلى الحاشية، ومعروف أن الذي يوضع في الحاشية من كتابة الشراح ومع تقدم الزمن، فبعض الشراح ينقلها، وبعضهم يتركها حتى نسيت، وأصبح البعض يقول لماذ توجد عند بعض الفرق دون بعض؟
والصحيح أن يقال: لماذا احتفظت بها بعض افرق دون بعض؟!
3ـ كان بعض أهل الكتاب يقول: لماذا توجد قصة الإحراق عند بعض فرق النصارى دون البعض؟ وكان يرى أن السبب أنها من وضع من تأثر بالمسلمين، أو الأحبار الذين أسلموا وذلك تأثرا بالقرآن على حد زعمهم.
لكن إذا تأملنا سياق القصة في الكتب التي ذكرتها من كتبهم وقد ذكرها العقاد رحمه الله نجد أنه في بداية القصة مقدمة فيها:
حدوث مناظرة بين إبراهيم عليه السلام والمك حيث سأله فقال: لماذا لا تعبد الأصنام؟ قال: لأن النار أقوى منها، فقال: لماذا لا تعبد النار؟ قال: لأن الماء أقوى منها، فقال: لماذا لا تعبد الماء؟ قال: لأن السحاب يحمله ... .
وهذه المقدمة لا توجد في شيء من كتب الإسلام فكيف يقال: بأن القصة أخذها من أخذها من القرآن.
4ـ القصة ذكرتها الكنائس الشرقية ولم تذكرها الكنائس الكاثولوكية، ومن هنا نتساءل عن السبب؟
فهل يمكن أن يقال بأن الكنيسة الكاثولوكية استمرت على تحريف اليهود، ثم لماذا لا تأخذ الكنيسة الغربية بما عند الكنيسة الشرقية وتنظر فيه وتقارن كما هي طريقة البحث العلمي، لماذا لا تستقصى الحقائق عن إبراهيم والمسيح عليه السلام؟!.
خاصة أن قصة الإحراق ليست من المواضيع التي يترتب عليها شيء ليس في مصلحتهم فمثلا حادثة الخروج إلى جزيرة العرب يطمسونها لأنها تشير إلى العرب وبلادهم، لكن قصة الإحراق لا يترتب عليها إلا زيادة فضل لإبراهيم عليه السلام.
5ـ عند اليهود أهم ما يوجد في قصة إبراهيم هي الوعد بالأرض ولهذا يقفزون في القصة لأجل وعد الله لإبراهيم وذريته ويتجاوزون ما عدا ذلك.
ـ[عقيل الشمري]ــــــــ[14 Sep 2009, 03:59 ص]ـ
الدرس الثالث والعشرون 23/ 9/1430هـ
موضوع الحلقة عن هجرة إبراهيم عليه السلام إلى جزيرة العرب
1ـ تنقل إبراهيم عليه السلام إلى جنوب العراق ثم إلى الشمال الغربي ثم إلى فلسطين ثم إلى مصر ثم إلى الجزيرة، وما دام هذا التنقل موجودا فلا إشكال أن نجد إحدى المصادر تذكر شيئا لم تذكره المصادر الأخرى.
هذا الموضوع البسيط جعل منه أهل الكتاب موضوعا عجيبا بحيث يندهش الباحث العلمي من التناقض الذي يقرره هؤلاء، وذلك لأن القضية الأهم عندهم ليست النبوة والدعوة إلى التوحيد وإنما إثبات وعد الله لهم بالأرض، وحصر الخير في ذرية ابنه إسحاق عليهما السلام.
2ـ شراح التوراة وذكرهم الأماكن:
الغريب حقا أن أهل الكتاب ذكروا انتقال إبراهيم عليه السلام فذكروا أنه انتقل من مسقط رأسه مع أبيه إلى حان 600 ميل تقريبا، ثم سافر إلى أرض كنعان 400ميل تقريبا ثم انتقل إلى مصر وتقدر 1300 - 1500 ميل تقريبا.
كل ذلك ولا غرابة فيه بشيء، فقط عند منطقة معينة نجد أن المسافات تختلف والنظرات تتغير فعندما تأتي رحلته للجنوب فغنهم يذكرون بضع أميال تصل إلى 30 ميلا تقريبا، ومرادهم بالجنوب هي سيناء وصحراء النقب، وهناك بنى بيت الله،وجعلوا هذا في مكان مجهول أو عدة أماكن اختلفوا فيها، مع تغيير للأسماء.
3ـ في الواقع هناك كلمات كثيرة تدل على رحلة إبراهيم عليه السلام إلى الجنوب وهي الجزيرة وبناه لبيت الله مع ابنه إسماعيل، مثل:
ورد في كتبهم: (الأدوم) و (الجنوب) و (التيمن) و (فاران).
¥