تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومِن لطائِفِ التوفيقِ الإلهِيِّ: أنَّ آخِرَ حديثٍ في كتابِ «حُسْنِ الظنّ بالله» (150) -للإمام ابن أبي الدُّنيا- هو حديث: «إن لله عُتقاء من النار ... » ...

وما استدلَّ به بعضُ أفاضل أهل العِلْم -رحمهُمُ اللهُ- تجويزاً لهذا الدُّعاء! - مِن حديث أبي هُرَيْرَةَ، عنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أَعْتَقَ رَقَبَةً مؤمنةً؛ أعْتَقَ اللهُ مِنْهُ بكلِّ عُضْوٍ منهُ عُضواً مِن النَّار» [مُتَّفَقٌ عليه «إرواء الغليل» (1742)]؛ فهو لا يخرُجُ عمَّا ذَكَرْتُهُ –ألْبَتَّة-!

وبيانُهُ مِن وَجْهَيْنِ:

الأوّل: أنَّ هذا الحديثَ -أيضاً- موصولٌ بعِلْمِ الله -تعالى- في هؤلاء المُعتَقِين، وليس ذا صِلَةٍ -بأيِّ وجهٍ مِن الوُجوه- بعلمِ العبدِ نفسَهُ أنَّهُ يُعْتَق -أو سَيُعْتَق- مِنْهُ!

الثاني: أنَّ الحديثَ واردٌ فيمن (استحقَّ دُخولَ النَّار) -وهذا مِن عِلْمِ العظيمِ الجَبَّار -سُبحانَهُ- وَحْدَهُ-.

وقد دلَّ على ذلك روايةٌ عند البخاريِّ -رحمهُ اللهُ- للحديثِ نفسِهِ- فيها قولُهُ صلى الله عليه وسلم: « ... اسْتَنْقَذَ اللهُ بكلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضواً مِن النَّارِ ... »:

فقد قال العَلامةُ الصَّنْعانِيُّ في «سُبُل السَّلام» (4/ 426) -شارحاً هذا الحديثَ-:

«وفي قولِهِ: «استَنْقَذَ» ما يُشْعِرُ بأنَّهُ بعد استحقاقِهِ لها».

وأمَّا الاعتراضُ على أصل الاستدلال بهذا الأثر السلفيِّ -على مقصودِهِ- بما صحَّ عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم مِن وصفِهِ سيِّدَنا أبا بكرٍ الصدِّيقَ رضي الله عنه بأنَّهُ: «عتيق الله مِن النار» [«السلسلة الصحيحة» (1574)]؛ فهو اعتراضٌ ليس قائماً؛ لسبَبَيْن:

الأوَّل: أنَّ هذا الوصفَ قد يَرِدُ بحَسَبِ الاستحقاقِ –حُكماً-، وقد يَرَدُ -أيضاً- باعْتِبارِ حقيقةِ الدُّخُول -واقِعاً-؛ وفي كُلٍّ وَرَدَ النصُّ النبويُّ:

- أمَّا الاستحقاقُ الحُكْمِيُّ؛ فحديثُ أبي بكرٍ -هذا- واضحٌ في مقصودِهِ.

ومِثْلُه -تماماً- الأحاديثُ المذكورةُ –قبلاً-.

- وأمَّا بحَسَبِ حقيقة الدُّخُول -واقعاً- مع اتِّحادِ اللّفظِ النبويِّ-؛ فما وَرَدَ في حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ -في وَصْفِ الجهنَّمِيِّين- عند الإمامِ مُسلم في «صحيحِه» (302) عنه صلى الله عليه وسلم: «عُتقاء الله».

وروايةُ الإمام البخاريّ (7001) بلَفْظِ: «عُتقاء الرحمن».

قال ابنُ الجوزي في «صيد الخاطر» (ص307) -في وَصْفِ حالِ هؤلاء (الجهنَّمِيِّين) -:

«أَزْرَى بهم اتِّباعُ الهَوَى، ثُمَّ لَحِقَتْهُمُ العافيةُ؛ فنَجَوْا بعدَ لأْيٍ» -ربِّ سلِّم سلِّم-.

الثاني: أنَّ ما يتميَّزُ به أبو بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنه في هذه الخَصِيصَةِ- عن باقي الأُمَّة -جميعاً- أنَّهُ أوَّل مَن أسلمَ. [«مجموع الفتاوى» (4/ 462)، و «أحكام أهل الذِّمَّة» (2/ 905)]؛ فكان هذا المَدْحُ النبويُّ له لهذا المعنى؛ وباعتبارِ ما كان عليهِ رضي الله عنه قبل بعثتِهِ -صلوات الله وسلامُه عليه-.

وأمَّا الاستدلالُ بحديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِنكُم مِن أحدٍ إلا وله منزِلان: منزلٌ في الجنَّةِ، ومنزلٌ في النار؛ فإنْ ماتَ ودَخَلَ النَّارَ؛ وَرِثَ أهلُ الجنَّةِ منزلَهُ؛ فذلك قولُهُ: {أولئك هم الوارِثُون}» [«السلسلة الصحيحة» (2279)]:

فقد رواهُ البخاريُّ (6200) عنهُ رضي الله عنه بلفظ: «لا أحدَ يدخُلُ الجَنَّةَ إلاّ أُرِيَ مقعدَهُ مِن النَّارِ لو أساءَ؛ ليزدادَ شُكراً، ولا يدخُلُ النَّارَ أحدٌ إلاّ أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِن الجنَّةِ لو أحسنَ؛ ليكونَ عليه حسرةً».

وعليهِ؛ فما قيلَ في هاتيك الأحاديث -مِن جهةِ الاستحقاقِ الحُكْمِيِّ- يُقال في هذا الحديث -سواءً بسواءٍ-؛ فهو على وَفْقِ عِلْمِ الله -عزَّ وجَلَّ-؛ كما وَرَدَ عن محمد بن النَّضْر الحارِثِيّ -وقد قال فيه عبدُ الرحمن بن مهدي: ما رأيتُ مثلَهُ في الصلاح. «العلل» (1119) -للإمام أحمد- توفي قبل سنة 150هـ-، أنَّهُ كَتَبَ إلى أخٍ له:

«أمَّا بعدُ؛ فإنَّك في دار تمهيد، وأمامَكَ منزلان؛ لا بُدَّ مِن أن تسكُنَ أحدَهُما، ولمْ يأْتِكَ أمانٌ فتطمَئِنَّ، ولا براءةٌ فتُقَصِّر.

والسلام» [«اقتضاء العلم العمل» (رقم:161)].

(تنبيهٌ رابعٌ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير