فأين لفظة ((من النار)) الَّتِيْ زعم الشيخ أنها في الصحيحين، وأنا أعلم أنه قرأ الحديث من صحيح الجامع وأن أصل الحديث في الصحيحين، لكني سأكون دقيقا معه في النقاش، لأنه زعم أنه تقصَّى في وجود لفظة ((كل ليلة عتقاء من النار))، وسنرى هل يصح تقصيه أم لا، فهذا أول ممسك عليه، حيث زعم أن حديث أبي سعيد في الصحيحين وساق اللفظ بقوله ((يَعرفهم أهل الجنَّة: عتقاء الله من النار))، والتسجيل موجود فلا أريد من الأغرار المغفلين أن يدَّعوا أنه لم يقل أو أني أزوِّر عليه.
فهل يرضى الشيخ لنفسه هَذَا، لو دققنا معه في الألفاظ الَّتِيْ يقولها، وهل هَذَا من الكذب في عزو ألفاظ حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإدراج ألفاظ في الصحيحين ليست في أحدهما.
وتأمل معي قول الإمام الزيلعي رحمه الله تعالى في نصب الرَّاية:
1 - وهم شيخنا علاء الدين في عزوه هذا الحديث لأبي داود مقلدا لغيره في ذلك، وأبو داود وإن كان أخرجه لكن لم يقل فيه: " {وإن قطر الدم على الحصير} " فليس هو حديث الكتاب، والذي أوقعه في ذلك أن أصحاب " الأطراف " عزوه لأبي داود، وابن ماجه، ومثل هذا لا ينكر على أصحاب " الأطراف " ولا غيرهم من أهل الحديث؛ لأن وظيفة المحدث أن يبحث عن أصل الحديث، فينظر من خرجه ولا يضره تغير بعض ألفاظه ولا الزيادة فيه أو النقص وأما الفقيه فلا يليق به ذلك، لأنه يقصد أن يستدل على حكم مسألة، ولا يتم له هذا إلا بمطابقة الحديث لمقصوده، والله أعلم.
2 - وقال أيضا: والثاني بصيغة الأمر، فهي ابدءوا، وهذا هو حديث الكتاب، وهو عند النسائي، والدارقطني، ثم البيهقي في " سننهما "
وإنما ذكرت ذلك لأن بعض الفقهاء عزا لفظ الأمر لمسلم، وهو وهم منه، وقد يحتمل هذا من المحدث لأن المحدث إنما ينظر في الإسناد وما يتعلق به، ولا يحتمل ذلك من الفقيه، لأن وظيفته استنباط الأحكام من الألفاظ، فالمحدث إذا قال: أخرجه فلان، فإنه يريد أصل الحديث لا بتلك الألفاظ بعينها، ولذلك اقتصر أصحاب الأطراف على ذكر طرف الحديث، فعلى الفقيه إذا أراد أن يحتج بحديث على حكم أن تكون تلك اللفظة التي تعطيه موجودة فيه
وقد ورد هَذَا اللفظ عند: ((عتقاء الله من النار))
1 - السنة لابن أبي عاصم. من حديث أبي سعيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
2 - اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة. من حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُما
3 - ابن أبي عمر العدني في مسنده، كما نقل ابن حجر في المطالب العالية
فهل تأكد طالب العلم الفاضل من وجود اللفظة التي يستشهد بها في المصدر المحال إليه، قبل أن يجزم بذلك أو يتندر على من يدعوا بهذا الدعاء، ثم يتهمهم بالجهل وعدم العلم والمعرفة، فقد وقع فيما انتقدهم به، فهو يقول إن لفظة " من النار " غير موجودة في المصادر _ وهي دعوى غير صحيحة كما سيظهر _، ثم ينسب هو لفظة " من النار " إلى الصحيحين وليست في أحدهما.
3 - قوله إنه تقصى فلم يجد الحديث إلا بهذا اللفظ " إن في كل ليلة عتقاء ". فقط
وسأسوق هنا الرواية الَّتِيْ تبين أن اللفظ موجود، وأنَّ كلامه غير صحيح مع بيان تصحيح الشيخ الألباني للروايات بهذه اللفظة الَّتِيْ زعم أنها غير موجودة، حتى لا يطعن في صحتها أو يتوقف في قبولها، وأنا أعلم أن هذه الرواية فيها الكثير من الاختلاف، لكني ألزمه بما يلتزمه هو من متابعة الشيخ الألباني رحمه الله في التصحيح والتضعيف إلا نادرا.
تأمل معي أخي الحديث:
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:
((إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ)).
أخرجه ابن ماجة (1642). والتِّرمِذي (682). وابن خزيمة (1883). وابن حِبَّان (3435) قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى.
¥