ثم قال العنبري: {فالواجب في الكفر البواح وهو الكفر المجمع عليه التكفير، والتوقف عنه إرجاء خطير}.
أقول: الكفر البواح هو كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم: ما عليه برهان من الكتاب والسنة والإجماع يأتي به بعد الاستدلال بالكتاب والسنة، نعم إذا كان الدليل محتملاً فهذا لا يجزم بأحد الاحتمالات من غير مرجح، أما إذا كان الدليل نصًا فهذا هو البرهان الذي لا يُعدَل عن القول بموجبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (عندكم فيه برهان).
والعلماء المعتبرون مجمعون على تكفير من كفره الله ورسوله، ولا يقولون بخلاف ذلك ولا عبرة بمن خالفهم .... ) ا. هـ
مما سبق يتبين أنه ليس بالضرورة أن يكون كل من رفع لواء التحذير محقا في نفس الأمر، بل قد يكون هذا الشعار عنوان خلل في منهجه واعتقاده، وستارا يواري خلفه إرجاءه وتجهمه كما هو حال أولئك الذين حذر منهم أهل العلم وحرموا طباعة كتبهم ونشرها مع أن موضوع هذه الكتب وشعارها كان التحذير من فتنة التكفير!
الوقفة الثانية:
الشيخ وفقه الله افتتح خطبته بتقرير معنى قوله تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا) تقريرا جيدا ثم ذكر بعد ذلك ثلاثة مسائل جعلها كمقدمة للكلام في مسألة الحكم بما أنزل الله.
الأولى: وهي خطورة القول على الله بغير علم وهذا حق لا إشكال فيه لأن القول على الله بغير علم من أعظم المحرمات بل قرنها الله سبحانه بالشرك به في قوله تعالى (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) مما يدل على عظم هذا الجرم وإثم مرتكبه.
ولكن المتأمل يجد أن البعض قد اتخذ من هذا الكلام وسيلة يصد بها كل من يتكلم في هذه المسائل بحجة أنه لا يتكلم فيها إلا العالم، ترسيخا منهم لمبدأ التقليد الأعمى والانقياد المطلق لما يقول، حتى صار الحديث عن هذه المسائل التي هي من أصول الدين ودعائمه ومسلماته وثوابته كأنه جريمة وخروج عن المنهج الحق،فلا تجد متكلما في مسائل الإيمان والكفر والتوحيد والشرك والولاء والبراء وغيرها من هذه المسائل العظيمة إلا متهما فينظر إليه بريبة وتوضع حوله علامات استفهام؟؟؟ كيف يتكلم في هذه المسائل وهو ليس بعالم؟
فهو إما تكفيري أو عنده غلو أو تأثر بكتابات أهل البدع!
لذا يكاد لا يوجد تحرير وافي لهذه المسائل عند هؤلاء أو عند طلابهم، بل غاية ما يذكر في هذه المسائل هو هذا الشريط أو الكتيب الصغير الذي فرغ فيه، وإذا تعرض إليها عرضا في شروحه فيتناولها تناولا لا يتناسب مع مقامها في الشريعة.
الوقفة الثالثة:
بعد أن انتهى الشيخ من الكلام عن مسالة القول على الله بغير علم انتقل إلى مسالة التكفير، والكلام في مسالة (العذر بالجهل) والملاحظ أن ما يورده الشيخ في هذه المسالة وغيرها يقتصر فيه على ذكر ما يراه في المسالة وذكر من يوافقه من أهل العلم دون الإشارة إلى الخلاف الحاصل فيها، فيقرر المسالة وكأنها مسالة إجماعية لم يخالف فيها أحد من أهل العلم أو أن الخلاف فيها واقع بين أهل السنة وأهل البدعة والتكفير، وهذا التناول فيه من ترك الإنصاف والإخلال بالأمانة ما فيه،وكان أحرى به وهو الداعية السلفي أن يذكر من يخالفه
لاسيما إذا كانوا أئمة كبارا لا ينكر الشيخ فضلهم وعلمهم بل ويحتج بأقوالهم،ولكن ما نراه من الشيخ للأسف على العكس من ذلك فمع تعميته عليهم بعدم ذكرهم وذكر حججهم وأقوالهم فقد جمعهم في سلة واحدة ورماهم عن قوس واحدة وسماهم أهل تكفير ...
- ومن ذلك ما ذكره في مسالة العذر بالجهل فإنه قد صور في خطبته هذه أن الذين يخالفونه في إطلاق القول بالعذر بالجهل تكفيريون لا محالة، بل هم من هواة التكفير ولديهم كروت حمراء يوزعونها على الناس كافر كافر ... !
وهذا الكلام أبعد ما يكون عن التحقيق العلمي لهذه المسائل وأبعد ما يكون عن الواقع.
¥