تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- ولكن الشيخ ومن يطلقون القول بالعذر بالجهل يشنعون دائما على مخالفيهم بما يوحي بأنهم متسرعون في إصدار الأحكام، يكفرون من غير تحقيق ولا روية ولا حكمة، بل بمجرد أن يروا أحدا يقع في الشرك يسارعون في تكفيره، ويستحلون دمه وماله! فهل يلحق هذا التصوير والتشنيع كل مخالف للشيخ حتى ولو كان المخالف هم علماء اللجنة الدائمة كما سيأتي؟!

- يقول ابن القيم رحمه الله في مثل ذلك: (وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل ولا تغتر باللفظ كما قيل في هذا المعنى

تقول هذا جنى النحل تمدحه ... وان نشأ قلت ذا قيء الزنابير

مدحا وذما وما جاوزت وصفهما ... والحق قد يعتريه سوء تعبير

فإذا أردت الاطلاع على كنه المعنى هل هو حق أو باطل فجرده من لباس العبارة وجرد قلبك عن النفرة والميل ثم أعط النظر حقه ناظرا بعين الإنصاف ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه ومن يحسن ظنه نظرا تاما بكل قلبه ثم ينظر في مقالة خصومه وممن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ والناظر بعين المحبة عكسه وما سلم من هذا إلا من أراد الله كرامته وارتضاه لقبول الحق وقد قيل:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما إن عين السخط تبدي المساويا وقال آخر

نظروا بعين عداوة لو أنها ... عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا.) ا. هـ مفتاح دار السعادة

- ومما لا خلاف فيه أن الواجب على من يرى أحدا يفعل شيئا من هذه المكفرات أن يبين له ويدعوه بالحكمة والموعظة الحسنة وما يناسب هذا الموقف من اللين والرحمة، ولعل من الحكمة أحيانا أن لا يذكر له ما يشعره بأنه قد كفر وخرج من الإسلام ويكتفى بأن يقول له هذا العمل حرام وشرك ومخالف لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام واضع في اعتباره عموم الجهل بهذه الأمور وانتشارها بين الناس انتشار النار في الهشيم فهذا مما عمت به البلوى وعظم فيه الخطب مع قلة المنكرين لها إلى غير ذلك مما هو معلوم.

- وبعيدا عن مسالة التسرع والتكفير فإن البحث ينحصر البحث في هذه المسالة في حكم من يفعل الشرك من المسلمين، وهذه تنظر ابتداء كمسالة علمية بحتة، ويبحث فيها دلالة النصوص على هذا المعنى.

- ومن أصول أهل السنة في مسالة التكفير والتي تتميز بها عن الخوارج:

- أولا: أن يكون التكفير بما دل عليه الدليل الشرعي أنه كفر أكبر مخرج من الإسلام كالشرك بالله والاستهزاء بدينه خلافا للخوارج الذين يكفرون بالكبائر دون الكفر.

- وثانيا: أن يعمل بضوابط التكفير في حق من يفعل هذه المكفرات من توفر الشروط وانتفاء الموانع كالعقل والبلوغ والقصد والاختيار والإرادة كذلك الموانع كالإكراه والنسيان والخطأ والتأويل والجهل فيما ورد اعتباره فيه.

- فإذا اتفق الفريقان على ما سبق من أصول وضوابط واختلفوا فقط في التفصيل حول مانع الجهل، فلو اقتصر الأمر على الخلاف حول دلالة النصوص لما كان يسوغ لأي من الفريقين أن يتهم الآخر بمخالفة المنهج الحق سواء بالخروج والتكفير،أو التجهم والإرجاء، ولما كان لمثل هذه المسالة أن تأخذ هذا الحجم الذي نراه اليوم ولكن الأمر قد عظم واستفحل بسبب ما أقحم في هذه المسالة من أصول خارجة عن مجرد دلالات النصوص في سبيل إثباتها وتأصيلها.

-فإن الخلاف في هذه المسالة وغيرها قد يكون وجيها ومقبولا إذا ما اقتصر فيه على دلالات النصوص التي وردت في شانها فتكون هي المنطلق لتحرير المسالة والمرجع في إثباتها أو نفيها، ولكن لما تعدى البحث ذلك واتخذت أقوال وأصول أخرى أنتقل الخلاف حول هذه الأصول تحت مظلة الخلاف في العذر بالجهل.

ومن تلك الأصول:

1 - قول البعض أن الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد، ولا يكون بالعمل.

2 - ومنها قولهم أن المسلم لا يكفر إلا بجحود ما أدخله فيه.

3 - ومنها ما ذكره بعض الفضلاء من قولهم أن المسلم الذي ينطق بالشهادتين يكون لديه إيمان مجمل بالتوحيد وبراءة مجملة من الشرك لا تتنافى مع جميع مفردات الشرك إذا تاها وأقام عليها منذ أن اسلم إلى أن يموت فهو مسلم بما لديه من الإيمان المجمل والبراءة المجملة من الشرك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير