والثاني: أن عقوبة تارك الأصل الخلود والتأبيد في العذاب عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك أما عقوبة تارك الكمال الواجب فهو بحسب مشيئة الرب سبحانه،فإن عذب فإنه لا يخلد في العذاب بل يخرج إلى الجنة ولو بعد حين.
فالقول بأن (لا يجزئ) بمعني لا يجزئ عن العقوبة مطلقا قول مجمل! وعند التفصيل يرجع صاحب هذا القول إلى التفريق بين القول والعمل والاعتقاد فيقرر أن تارك العمل لا يكفر ولا يخلد وتارك القول والاعتقاد يكفر ويخلد في العذاب وهذا هو قول من سبقه وهو باطل لأنه تفسير مخالف لنص الإجماع ومخالف لتفسير السلف!
فكلاهما فسر الإجماع بالرأي والتحكم فقال العمل من كمال الإيمان والأخير تجاوز هذا إلى الكلام عن العقوبة.
ومن قال إن الإيمان في الإجماع المنقول عن السلف هو الإيمان الكامل أو الإيمان المطلق وظن أن من يقابله يقول بأن هذا الإيمان هو أصل الإيمان فليعلم أن كلا الفهمين غير مقصود في كلام السلف!
فلا هم قصدوا الإيمان المطلق الذي يدخل فيه جميع الأعمال الواجبة،ولا هم قصدوا أصل الإيمان، وإن كان لفظ الإيمان يستعمل في الدلالة على كلا المعنيين. وذلك بحسب السياق، فيطلق تارة ويراد به الإيمان المطلق ويطلق أخرى ويراد به أصل الإيمان، وهذا معروف في كلام أهل العلم وخاصة شيخ الإسلام رحمه الله، ولا يدل جواز استعماله في أحد هذين المعنيين على ضرورة تفسيره بهذا المعنى في كل موضع، وإنما قصد السلف القول بأن حقيقة الإيمان مركبة من هذه الثلاثة وانه لا يصح إيمان عبد حتى يجتمع فيه هذه الأركان ولذا قال شيخ الإسلام:
(فإن أولئك قالوا: قول وعمل ليبينوا اشتماله على الجنس، ولم يكن مقصودهم ذكر صفات الأقوال والأعمال) فهذا في الثلاثة أركان
أما فيما يخص عمل الجوارح فقال في نفس السياق:
(لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن وليس المقصود هنا ذكر عمل معين!) فقوله: "من غير حركة بدن" يدل على أن الكلام لا يختص بعمل معين ولذا أكد ذلك بقوله
: "وليس المقصود هنا ذكر عمل معين"، حيث أن المقصود هو تحقيق جنس العمل الذي يصح به الإيمان.
- فالذي يفسر الإجزاء في هذا المقام بأنه لا يجزئ عن العقوبة إما أن يلتزم أن ترك الثلاثة لا يجزئ عن العقوبة مطلقا فيسوي بين الثلاثة في قدر العقوبة، فيكون عقوبة تارك القول مثل عقوبة تارك العمل مثل عقوبة تارك الاعتقاد وهي الكفر في الدنيا والخلود في النار عياذا بالله وهذا هو الحق،وهذا هو موجب دلالة الألفاظ الواردة في الإجماع وفي كلام السلف.
أو يفرق بينهم فيجعل في ترك القول والاعتقاد عقوبة الخلود وفي ترك العمل العذاب دون الخلود وهذا تحكم بلا دليل ولا يختلف عن القولين السابقين وإنما تجاوز هذا التفصيل واستتر خلف الأقوال المجملة والاستدلال بمحل النزاع.
- وقول هذا الفاضل بأن الإيمان المذكور في كلام السلف وفي الإجماع المنقول هو الإيمان الكامل أو الإيمان المطلق يجعل قضية النزاع بين أهل السنة والمرجئة محصورة في مجرد تسمية الأعمال إيمانا فهم يسمونها إيمانا وغيرهم لا يسمونها كذلك، وهذا باطل بلا شك، لان هذا الخلاف العظيم الذي حصل بين السلف وبين المرجئة والجهمية وما وقع منهم من التشنيع والتبديع بل والتكفير لبعضهم لا يمكن أن يكون لمجرد الخلاف في التسمية فحسب ...
- وإلا فإن أيا من هؤلاء المبتدعة لم ينكر أن تكون هذه الطاعات وهذه الأعمال من واجبات الدين والإسلام بل من الواجبات التي يلتزم هو بأدائها صلاة وزكاة وغيرها فهل يستقيم مع ذلك أن يكون الخلاف فقط في تسمية هذه الأعمال إيمان؟
هذا قول من لا يتأمل الأقوال ويحققها!
- ومن يقول بأنه يجزئ القول والاعتقاد دون العمل لا يختلف في حقيقة قوله مع قول المرجئة إلا في تسمية هذه الأعمال إيمانا فالخلاف بينهم من هذه الجهة لفظي.
أما في حقيقة الأمر فهو يتفق معهم في أصل قولهم بأن المجزئ من الإيمان هو القول والاعتقاد دون العمل،وهذا الذي عليه التمايز بين فرق المبتدعة وأهل السنة.
- ومن يراجع أقوال المرجئة التي نقلها العلماء لا يجد فرقا بين هذا القول وبين ما ذكر من أقوالهم في الإيمان بل أحيانا تتطابق الأقوال،وهذا نقل من كتاب مقالات الإسلاميين للأشعري اذكر فيه من أقوال المرجئة ما يتفق مع قول أصحاب هذه الشبهة حيث قال:
¥