أما إذا حصل لهم التمكن الكامل – لا قدّر الله - فما ثم إلاّ التشريد أو السجون والتعذيب والقتل لمن يطلقون عليهم أوصاف الظلامية والتقليدية والتشدّد والمحافظة والرجعية، وما زالت حية في أذهان علماء الإسلام ودعاته تجربة أتاتورك، وعصمت اينونو، وسياد بري، وحزبي البعث، وعبد الناصر، والحزب الشيوعي في عدن، وسوكارنو، وبو رقيبة، وخلفه، و القذافي، وغيرها من تجارب ليبرالية وعلمانية تشهد بأنهم لا يرقبون في عالم ولا داعية إلاًّ ولا ذمّة، إلاّ من سايرهم ولاطفهم، وسكت عن انحرافاتهم رغبة أو رهبة، والتاريخ – كما يُقال - يعيد نفسه، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
والعجيب في هذا السياق أن بعض علمانيي بلدنا حرق المراحل، ووصل إلى المرحلة الأخيرة، وذلك باستعداء السلطة، والزج برأسها في المعركة، واستعمال اسمه لتخويف وتخوين الشيخ الشثري، بل إن أحدهم هدد العلماء والدعاة بالسجن، موضحاً بأنه ليس أمامهم سوى أحد طريقين لا ثالث لهما إما (الخنوع والسكوت والمداجاة، أو أبو غريب!!) مذكراً بقصة شيخ سجن ثم تاب وأناب.
يقول هذا الكاتب ما نصه (يطري على بالي هذه الأيام كلمة سلمان العودة حول أجمل سنيّ عمره التي قضاها في السجن .. لا أعرف ماذا يمكن للمرء أن يفهم من هذه المقولة إلاّ أن ترجمتها على أرض الواقع تعطي دلالات قوية على أن الإسلاميين اليوم أمامهم إحدى طريقين-وهم الذين كانت ترضخ لهم كل الطرق- الأول: أن يكون محبوساً إما في السجن أو في منتدى إلكتروني، والثاني أن يكون كل شيء آخر يريده .... الخيارات أصبحت محدودة، "واللي عقله في راسو يعرف خلاصو .. ") (منقول من كلام فهد الثابت من مجموعة القاسم البريدية، وهو اسم رمزي لشخصية من التسعة رهط الذين لهم شأن في التيار العلماني).
فإذا كان هذا حالهم والبلاد مليئة بالأخيار والصلحاء والعلماء وطلاب العلم، والمجتمع مازال المكون الديني أساسي فيه، فما الظن إن تمكن هؤلاء الليبراليون أكثر؟ وما الذي يمكن تخيله إن استحكم لهم الأمر؟
الأمر الخامس: كيفية التعامل مع المتغيرات والحملات المنسقة والمواقف المناوئة المسكوت عنها أو المحمية.
اختلفت مواقف العاملين للإسلام وردود أفعالهم، وما زالت تختلف بناء على اختلاف نظرهم في عدة متعلقات أساسية:
أولها: اختلاف النظر في الحاصل: هل هو جزئي أم كلي؟ هل هو تغير مبدئي أم مرحلي؟ هل هو انحياز أم طارئ؟
ثانيها: اختلاف النظر في الحاصل: هل هو مبرمج ومتفق عليه مع تبادل أدوار في إخراجه أم هو اتجاه أحادي ليس محل اتفاق.
ثالثها: اختلاف النظر في مآلات ما يحدث، ومقدار أثره، وحجم ضرره في المستقبل على أسس المشروعية ووحدة البلاد وأمنها.
رابعها: اختلاف النظر في العمل المناسب لهذا الوضع، وما يتوقع من تداعياته في المستقبل.
خامسها: اختلاف النظر في المصالح والمفاسد المترتبة على المواقف والأقوال، ويدخل في ذلك المصالح والمفاسد الدينية والاجتماعية والشخصية.
سادسها: اختلاف التكوين الفكري باختلاف مقدار التعمق الشرعي، واختلاف المعلومات الأخرى المكتسبة، واختلاف التصورات المبنية على تلك المعلومات، و اختلاف المدارك المتعلقة بالسنن الكونية والتغيير وأعمار الدول، وأسباب النهوض والانهيار، واختلاف النفسيات والمشاعر مابين متفائل وعكسه، ومؤمل ومحبط، ومكترث وبارد، وغير ذلك.
وبناء على ما سبق – وغيره- يمكن قراءة المواقف الإسلامية المختلفة من هذا (الحملة العدائية المضادة للشيخ الشثري، ومن قبله الشيخ اللحيدان المنتهية بالإقالة أو الاستقالة) وقراءة ما يمكن أن يحدث مستقبلاً.
الأمر السادس: إن قراءة ما حدث للشيخ الشثري من هجوم ثم إعلان إعفائه من هيئة كبار العلماء أمر في غاية الأهمية بالنسبة للعلماء والدعاة لأسباب منها:
1) قرب الشيخ وأسرته من الأسرة السعودية الحاكمة.
2) كون الشيخ يمثل التوجه الديني للدولة السعودية (دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب).
3) كون الشيخ من أهل نجد وهم مادة السلطة وعصبتها، حسب التعبير الخلدوني
4) كون الشيخ الشثري من العلماء المنسوبين إلى الدولة.
5) كلام الشيخ عن الجامعة في ثول (كاوست) كان مفعماً بالاحترام والتهذيب والشكر والامتنان، في أول القول ووسطه وآخره، إلى الحد الذي فاق الإشارة إلى المأخذ الشرعي في الاختلاط
¥