ـ[فيوض]ــــــــ[12 Oct 2009, 12:13 م]ـ
يارك الله فيك .. وننتظر المزيد ...
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[12 Oct 2009, 09:48 م]ـ
لا أدري بأيهما أطرب بحسن العرض أم بجودة المعروض، فسح الله في أيامك وبارك في سنيك وأعوامك أستاذ رائد، وإطلالة وباكورة موفقة وفقك الله وننتظر القادم بشغف.
ـ[رائد السماري]ــــــــ[12 Oct 2009, 11:29 م]ـ
سر الصلاة - بِها، لا منها! *
شرع الله عز وجل الصلوات الخمس إقامةً لذكره، واستعمالا للقلب والجوارح واللسان في العبودية، وإعطاء كل منها قسطه من العبودية التي هي المقصود بخلق العبد، فوضعت الصلاة على أكمل مراتب العبودية.
. . .
والعبد إذا قام في الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قد قام في أعظم مقام، وأقربه، وأغيظه للشيطان، وأشده عليه، فهو يحرص ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به، يعِدُه، ويُمَنِّيه، ويُنسيه، ويجلب عليه بخَيْله ورجله، حتى يُهوِّن عليه بشأن الصلاة، فيتهاون بها، فيتركها.
فإن عجز عن ذلك منه، وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه، فيذكره في الصلاة ما لم يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة، وأيس منها، فيذكِّره إياها في الصلاة، ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله عز وجل، فيقوم فيها بلا قلب، فلا ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل، الحاضر بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه، وأثقاله لم تخف عنه بالصلاة، فإن الصلاة إنما تكفِّر سيئات من أدى حقها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقابله.
فهذا إذا انصرف منها وجد خِفَّةً من نفسه، وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطًا وراحةً وروحًا، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها؛ لأنها قرة عينيه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن ضيّق حتى يدخل فيها، فيستريح بها لا منها.
فصلاة هذا الحاضر بقلبه، الذي قرة عينه في الصلاة، هي التي تصعد ولها نور وبرهان، حتى يستقبل بها الرحمن عز وجل، وأما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها، فإنها تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها.
. . .
والناس في الصلاة على مراتب خمسة:
أحدها: مرتبة الظالم لنفسه، المفرط، وهو الذي انتقص من وضوئها، ومواقيتها، وحدودها، وأركانها.
الثاني: من يحافظ على مواقيتها، وحدودها، وأركانها الظاهرة، ووضوئها، لكن قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثالث: من حافظ على حدودها، وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوِّه، فهو في صلاة وجهاد.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة، أكمل حقوقها، وأركانها، وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها، لئلا يضيع شيئا منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها، وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة، وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها.
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة، قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل، ناظرًا بقبله إليه، مراقبًا له، ممتلئًا من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به.
فالقسم الأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفَّر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرب من ربه؛ لأن له نصيبا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة، فمن قرّت عينه بصلاته في الدنيا، قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة، وقرت عينه أيضا به في الدنيا، ومن قرت عينه بالله، قرّت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تعالى، تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عز وجل إذا قهر شهوته وهواه، وإلا فقلبٌ قد قهرته الشهوة، وأَسَرَه الهوى، ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه، كيف يخلص من الوساوس والأفكار؟!
مخرج:
ثقل الصلاة عليّ، دليل مشكلة لديّ
* بتصرف من كتاب الوابل الصيب، لابن القيم - رحمه الله -
(السر القادم قريبا: سر القلب)
¥