تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[رائد السماري]ــــــــ[14 Oct 2009, 09:20 م]ـ

سر القلب – لك أو عليك! *

القلوب ثلاثة:

القلب الأول: قلب خال من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه، لأنه قد اتخذه بيتا ووطنا، وتحكم فيه بما يريد، وتمكن منه غاية التمكن.

القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان، وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية، فللشيطان هنالك إقبال وإدبار، ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال. وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر، ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر، ومنهم من هو تارة وتارة.

القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان، قد استنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد، لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم، فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رُجم فاحترق، وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء، والسماء متعبد الملائكة، ومستقر الوحي، وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مستقر التوحيد، والمحبة، والمعرفة، والإيمان، وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يُحرَس ويحفظ من كيد العدو، فلا ينال منه شيئا إلا خطفه.

وقد مُثل ذلك بمثال حسن، وهو ثلاثة بيوت:

بيت للملك: فيه كنوزه وذخائره وجواهره.

وبيت للعبد: فيه كنوز العبد وذخائره، وجواهره، وليس جواهر الملك وذخائره.

وبيت خال صفر: لا شيء فيه.

فجاء اللص يسرق من أحد البيوت، فمن أيها يسرق؟ فإن قلت: من البيت الخالي، كان محالا؛ لأن البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق، وإن قلت: يسرق من بيت الملك، كان ذلك كالمستحيل الممتنع، فإن عليه من الحرس ما لا يستطيع اللص الدنو منه، كيف وحارسه الملك بنفسه؟ وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث فهو الذي يشن عليه الغارات.

فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل وليُنزله على القلوب فإنها على منواله.

فقلب خلا من الخير كله، وهو قلب الكافر والمنافق، فذلك بيت الشيطان، قد أحرزه لنفسه، واستوطنه، واتخذه سكنا ومستقرا، فأي شيء يسرق منه وفيه خزائنه، وذخائره، وشكوكه، وخيالاته ووساوسه؟!

وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل، وعظمته، ومحبته، ومراقبته، والحياء منه، فأي شيطان يجترئ على هذا القلب؟! وإن أراد سرقة شيء منه فماذا يسرق؟! وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهب، يحصل له على غرة من العبد وغفلة لا بد له، إذ هو بشر، وأحكام البشرية جارية عليه، من الغفلة، والسهو، والذهول، وغلبة الطبع.

وقلب فيه توحيد الله تعالى، ومعرفته، ومحبته، والإيمان به، والتصديق بوعده، وفيه شهوات النفس وأخلاقها، ودواعي الهوى والطبع.

وقلب بين هذين الداعيين، فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان، والمعرفة، والمحبة لله تعالى، وإرادته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان، والهوى، والطباع، فهذا القلب للشيطان فيه مطمع، وله منه منازلات ووقائع، ويعطي الله النصر من يشاء، "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم".

وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه، فيدخل إليه الشيطان، فيجد سلاحه عنده، فيأخذه، ويقاتله به، فإن أسلحته هي الشهوات، والشبهات، والخيالات، والأماني الكاذبة، وهي في القلب، فيدخل الشيطان، فيجدها عتيدة، فيأخذها، ويصول بها على القلب، فإن كان عند العبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة، وتزيد عليها، انتصف من الشيطان، وإلا فالدولة لعدوه عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فإذا أذن العبد لعدوه، وفتح له باب بيته، وأدخله عليه، ومكنه من السلاح يقاتله به، فهو الملوم.

فنفسك لم ولا تلم المطايا // ومُتْ كمدًا فليس لك اعتذار

مخرج:

القلب كعبة، والمعبود لا يرضى بمزاحمة الأصنام

* بتصرف من كتاب الوابل الصيب، لابن القيم - رحمه الله -

(السر القادم قريبا: سر الأسرار)

ـ[فيوض]ــــــــ[15 Oct 2009, 02:43 م]ـ

بنتظار القادم جزاك الله خيرآ

ـ[رائد السماري]ــــــــ[17 Oct 2009, 08:28 م]ـ

سر الأسرار – دواؤك فيك وما تشعر! *

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير