فهو محمول على ما هو الأولى غالبا، وإلا فقبح الذنب قد يقتضي الزيادة، أو منسوخ لعمل الصحابة بخلافه من غير إنكار، ويشترط أيضا في جواز التعزير للمعلم أن يظنه زاجرا له، وأن لا يكون الضرب مبرحا، ويظهر من كلامهم ضبطه بأنه شديد الإيذاء بحيث لا يحتمل عادة، وإن لم يدم البدن، فإذا ظن أنه لا يفيد فيه إلا المبرح فلا يجوز المبرح إجماعا، ولا غيره على الأصح؛ لأنه لا يفيد، والعقوبة إنما جازت لنمو الصبي على خلاف الأصل لظن إفادتها زجرا له وإصلاحا، فإذا ظن انتفاء فائدتها فلا مقتضى لجوازها، ثم كيفية ضربه يكون مفرقا لا مجموعا في محل واحد، وأن يكون في غير وجه ولا مقتل، وأن يكون بين الضربتين ألم يخف به الأولى، وأن يرفع الضارب ذراعه ليثقل السوط لا عضده حتى يرى بياض أبطه، فلا يرفعه لئلا يرى يعظم ألمه، ولا يضعه عليه وضعا لا يتألم به، ويجب في نحو الصوت أن يكون معتدل الحجم، فيكون بين القضيب والعصا، وأن يكون معتدل الرطوبة، فلا يكون رطبا يشق الجلد لثقله، ولا شديد اليبوسة، فلا يؤلم لخفته، ولا يتعين بذلك نوع، بل يجوز بسوط، وهو سيور تلوى، وبعود،وخشبة، ونعل، وطرف ثوب بعد فتله حتى يشتد، وما نقله الروياني عن الأصحاب، من أنه يتعين على الزوج في ضرب زوجته أن يقتصر على الضرب بيده، أو بمنديل فيها، فالمعلم مثله، بجامع أن ضرب كل منهما تعزير، بل المعلم أولى؛ لأنه يضرب غير مكلف لم يفعل معصية، والزوج يضرب مكلفة غالبا على معصية، فليس بمعتمد، بل المعتمد ما في شرح الإرشاد، من أنه يجوز للزوج الضرب بالسوط،وغيره، فهم سواء في ذلك، وإن فرقوا بينهما بأن الأولى للزوج العفو؛ لأنه لحظ نفسه (3)، والأولى لمؤدب الصغير عدمه؛ لأن المصلحة تعود على المضروب، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم:
" لأن يؤدب أحدكم ولده بسوط خير له من يتصدق عنه بصاع " (4)
ويقبل قول المعلم في عدم تعديه بالضرب، فلو ادعى الولي الآذن تعدي المعلم، وأنكر المعلم، صدق المعلم، لأن المعلم؛ لأن المعلم وكيل الولي، والموكل إذا ادعى على وكيله أنه تعدى فيما وكله فيه كان القول قول الوكيل.
ـــــ
1 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى مرفوعا، وقال والمحفوظ هذا الحديث المرسل.
2 - أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، واللفظ الوارد هنا لمسلم.
3 - أخرج ابن ماجة عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ:
" قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَضْرِبُنَّ إِمَاءَ اللَّهِ فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأْمُرْ بِضَرْبِهِنَّ فَضُرِبْنَ فَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِفُ نِسَاءٍ كَثِيرٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَقَدْ طَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّ امْرَأَةٍ تَشْتَكِي زَوْجَهَا فَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ " (صححه الألباني)
4 - أخرجه الترمذي، ولن من دون كلمة " سوط " الواردة هنا، ولفظه كما يلي:
" قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ "
قال الترمذي: " هذا حديث غريب "
وضعفه الألباني.
ـ[أم الأشبال]ــــــــ[29 Oct 2009, 12:02 م]ـ
فائدتان:
الأولى: وقع للترمذي من أصحابنا أنه يجوز أن يجمع ضربات التعزير في موقع واحد من البدن بخلافه في الحدود، وأن يضرب فيه بسوط فوق سوط الحد، وأن يكون الضرب فيه أقوى من الضرب في الحد " هـ
وهو في غاية الغرابة، ومن ثم خطأه الروياني في ذلك،وقال هذا مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه.
الثانية: قال الرافعي من الأصحاب:
" من يخص لفظ التعزير بما يفعله الإمام ونائبه، ويسمي غير ذلك، كضرب المعلم للصبي، والزوج لزوجته تأديبا لا تعزيرا، ومنهم من يطلق التعزير على الكل، واهذا هو الأشهر " هـ
(1) وقد ذكر النووي في مجموعه طرقا في كيفية التعزير فليراجع.
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وأصهاره والتابعين، وسلم تسليما كثيرا متتابعا إلى يوم العرض على مالك المخلوقين، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــ
1 - وضع الناسخ إشارة هنا ليدل المطالع للمخطوط على عبارة وضعها في الهامش وهي: " ملخص هام ".
ـ[أم الأشبال]ــــــــ[29 Oct 2009, 12:05 م]ـ
وبذلك انتهيت من تحقيق المخطوط، وهو جهد المقل، وفي المرفقات صورة للمخطوط، والحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبنيا محمد.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=123603
ـ[سمير الملحم]ــــــــ[29 Oct 2009, 12:48 م]ـ
شكر وتقدير للأخ أبي الأشبال عبدالجبار على التحقيق القيم جعله الله في ميزان حسناته
¥