، فإن إظهار ذلك ربما يفيد جسارة، حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانيا فينبغي أن يعاتبه سرا، ويعظم الأمر فيه، ويقول له إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا فتنفضح بين الناس (1)، ولا يكثر العتاب عليه كل وقت، فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح، فإذا عاد أدبه بما يليق به من توبيخ، وتأخيره عن الأولاد في النزول من المكتب، وضربه بما يكون جرمه ورطوبته معتدلين عرفا ونحو ذلك، ولا يضرب ضربا مبرحا، وهو ما يعظم ألمه، وإن لم يفد إلا هو، ولا يرتقي إلى مرتبة من مراتب التأديب، وهو يرى ما دونها كافيا، وعليه أن يتقي الضرب على المهالك والوجه.
هذا ملخص ما في إحياء علوم الدين (2) بنوع زيادة.
وفي رسالة العلامة ابن حجر (3) فيما يحتاج إليه معلم الأطفال من الأحكام ما ملخصه:
لا يجوز للمعلم ضرب الصغير إلا إن أذن له أبوه، وإن علا.
قال الرافعي:
" ومثله الأم وإن علت، ومن الصبي في كفالته، أخذا مما قالوه في تعليم أحكام الصلاة، والضرب عليها، ولا يجوز الإقدام على الضرب إلا بالتصريح، فليس مجرد الإذن في التعليم إذنا في الضرب؛ لأنه لا يستلزمه، وقد رأينا من يأذن فيه وينهى عن الضرب، فسكوته عنه يحتمل رضاه به، وعدمه ولا يجوز الاعتماد على العادة ونحوها إذ العقوبات يحتاط فيها وتدرأ ما أمكن، كما أجمعوا عليه، فإذا وجد الإذن المعتبر جاز للمعلم الضرب على كل خلق سيء صدر من الولد، وعلى كل ما فيه إصلاح للولد، والظاهر أنه يرجع في الضرب للإصلاح، كتكاسله (4) عن الحفظ، وتفريطه فيما عِلمه إلى ظنه واجتهاده، وأما الضرب لوقوع فحش منه كهربه (5) وإيذائه لغيره، أو نطقه بما لا يليق، فلابد من تيقنه، أو من أخبار من تقبل أخباره بأنه فعل ذلك، ولا ينافي هذا قولهم:
" لا يجوز للقاضي القضاء بعلمه في حد (6)، ولا تعزير؛لأن القاضي منهم، وليس يحتاج إلى إصلاح الغير، قبل إقامة البينة عليه، بخلاف المعلم فيهما فإنه غير متهم، ويحتاج إلى الإصلاح، فلو توقف على البينة الشرعية لتعطل عليه الأمر، وفات المقصد من التعليم والتربية، فسومح له في الاعتماد على علمه، أو ظنه المؤكد بكون الولد فعل مقتضيا للتعزير، وقد صرحوا بأن للسيد حد رقيقه اعتمادا على علمه، وفرقوا بينه وبين القاضي بنحو ما ذكرته.
ــــــ
1 - وهذا أسلوب جليل في التربية لما فيه من تعويد الطفل على عدم المجاهرة بالمعصية فالمجاهرة بالمعصية أمر خطير جدا ومن حفظ الأمانة أن يهتم المربي بهذه القضية الدقيقة.
2 - إحياء علوم الدين، للغزالي.
3 - أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الانصاري، شهاب الدين شيخ الاسلام، أبو العباس، ورسالته هي: (تحرير المقال في آداب وأحكام يحتاج إليها مؤدبو الاطفال).
4 - في المخطوط كتبت كلمة (كتكاسله) (لتكاسله)، وأشار ناسخ المخطوط في هامش المخطوط إلى ما أثبته بقوله: " لعله كتكاسله "، وقد وافقته وأثبت قوله.
5 - في المخطوط كتبت كلمة (كهربه) (لهربه)، وأشار ناسخ المخطوط في هامش المخطوط إلى ما أثبته بقوله: " لعله كهربه "، وقد وافقته وأثبت قوله.
6 - أشار الناسخ هنا إلى عبارة وضعها في الهامش، والعبارة هي:
" أي بخلاف غير الحدود والتعزير، فإنه يجوز للقاضي القضاء فيه بعلمه بشرط أن يكون مجتهدا، وأن يبين مستنده كما صرحوا في باب القضاء هـ منه "
ـ[أم الأشبال]ــــــــ[29 Oct 2009, 12:02 م]ـ
ويجوز للمعلم الضرب فيما يتعلق بنفسه، كأن أساء الولد بنحو شتم، أو سرقة ماله، وإذا جاز للمعلم التعزير فله الضرب، ويلزمه أن يكون على حسب ما يراه كافيا بالنسبة لجريمة الولد، فلا يجوز له أن يرتقي إلى مرتبة وهو يرى أن ما دونها كافيا بالنسبة لجريمة الولد، فلا يجوز له أن يرتقي إلى مرتبة وهو يرى ما دونها كافيا لدفع الصائل، ولا يجوز له أن يبلغ أربعين في الحد، وعشرين في غيره، بل يلزمه النقص عن ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم كما ورد في خبر مرسل:
" من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين " (1)
وأما خبر الصحيحين:
" لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى " (2)
¥