تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا خربت العين وفسدت؛ خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ؛فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته و الإنابة إليه والأنس به والسرور بقربه فيه،وإنما يسكن فيه أضداد ذلك.

فهذه إشارة إلى بعض فوائد غض البصر تطلعك على ما ورائها.


(1) أخرجه: البخاري (7047) ومسلم (2275) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
صدق الله العظيم الطريق الثاني المانع من حصول تعلق القلب: اشتغال القلب بما يصده عن ذلك ويحول بينه وبين الوقوع فيه، وهو إما خوف مقلق أو حب مزعج،فمتى خلا القلب من خوف ما فواته أضر عليه من حصول هذا المحبوب، أو خوف ما حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب، أو محبة ما هو أنفع له وخير له من هذا المحبوب، و فواته أضر عليه من فوات هذا المحبوب، لم يجد بداً من عشق الصور.
وشرح هذا: أن النفس لا تترك محبوبا إلا لمحبوب أعلى منه،أو خشية مكروه حصوله أضر عليه من فوات هذا المحبوب.
وهذا يحتاج صاحبه إلى أمرين، إن فقدهما أو أحدهما لم ينتفع بنفسه:
أحدهما: بصيرة صحيحة يفرق بها بين درجات المحبوب والمكروه، فيؤثر أعلى المحبوبين على أدناهما، ويحتمل أدنى المكروهين ليخلص من أعلاهما.
وهذا خاصة العقل، ولا يُعد عاقلاً من كان بضد ذلك،بل قد تكون البهائم أحسن حالاً منه.
الثاني: قوة عزم وصبر يتمكن بهما من هذا الفعل والترك.
فكثيراً ما يعرف الرجل قدر التفاوت ولكن يأبى له ضعف نفسه وهمته وعزيمته على إيثار الأنفع من خسته وحرصه ووضاعة نفسه وخسة همته.
ومثل هذا لا ينتفع بنفسه ولا ينتفع به غيره.
وقد منع الله سبحانه إمامة الدين إلا من أهل الصبر واليقين، فقال تعالى ـ وبقوله يهتدي المهتدون ـ: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة:24] وهذا هو الذي ينتفع بعلمه وينتفع به الناس، وضد ذلك لا ينتفع بعلمه،ولا ينتفع به غيره.
ومن الناس من ينتفع بعلمه في نفسه ولا ينتفع به غيره.
فالأول: يمشي في نوره ويمشي الناس في نوره.
والثاني: قد طُفِئَ نوره فهو؛ يمشي في الظلمات ومن تبعه في ظلمته.
والثالث: يمشي في نوره وحده.
[والطريق الثالث المانع من حصول تعلق القلب:حفظ الخطرات] وشأنها أصعب؛ فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم.
فمن راعى خطراته؛ ملك زمام نفسه وقهر هواه،ومن غلبته خطراته؛ فهواه ونفسه له أغلب،ومن استهان بالخطرات؛ قادته قهرا إلى الهلكات.
ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير مُنىً باطلة {كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب} [النور:39].
وأخس الناس همة و أوضعهم نفساً من رضي من الحقائق بالأماني الكاذبة، واستجلبها لنفسه، وتحلى بها.
وهي ـ لعمر الله ـ رؤوس أموال المفلسين ومتاجر الباطلين، وهي أضر شيء على الإنسان،وتتولد من العجز والكسل، وتُولِّد التفريطَ والحسرة والندامة.
والمتمنّي لما فاته مباشرة الحقيقة بجسمه، حوّل صورتها في قلبه، وعانقها، وضمها إليه، فقنع بوصال صورةٍ وهمية خالية صَوّرها فكره،وذلك لا يجدي عليه شيئا،وإنما مثله مثل الجائع والظمآن؛يصور في وهمه صورة الطعام والشراب، وهو لا يأكل ولا يشرب.
والسكون منه إلى ذلك واستجلابه يدل على خساسة النفس ووضاعتها.
وإنما شرف النفس وزكاؤها وطهارتها وعلوها بأن ينفى عنها كل خَطرة لا حقيقة لها، ولا يرضى أن يُخْطرها بباله،ويأنف لنفسه منها.
ثم الخطرت ـ بعد ـ أقسام تدور على أربعة أصول:
ـ خطرات يستجلب بها العبد منافع دنياه.
ـ وخطرات يستدفع بها مضار دنياه.
ـ وخطرات يستجلب بها مصالح آخرته.
ـ وخطرات يستدفع بها مضار آخرته.
فليحصر العبد خطراته وأفكاره وهمومه في هذه الأقسام الأربعة.
فإذا انحصرت له فيها؛ فما أمكن اجتماعه منها؛لم يتركه لغيره، وإذا تزاحمت عليه الخطرات كتزاحم متعلقاتها؛ قدم الأهم فالأهم الذي يخشى فوته.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير