[قرأت لك: (للتفاعل والمعرفة)]
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[19 - 11 - 2006, 11:53 ص]ـ
من أسرار البيان في أمثال القرآن: مثل المنافقين
بقلم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك
باحث لغوي في الإعجاز البياني
للقرآن الكريم ومدرس للغة العربية
قال الله تعالى:? مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ *صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ *أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدير ? (البقرة:17 - 20)
لمَّا أخبر الله تعالى في أوائل سورة البقرة عن أحوال المنافقين مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع القرآن الكريم، وبيَّن حقيقة مواقفهم منهما، وكشف عن مكنون صدورهم، وفضح نفاقهم، أراد سبحانه وتعالى أن يكشفَ عن تلك الأحوال، والمواقف كشفًا تامًّا، ويبرزَها في معرض المحسوس المشاهد؛ فأتبعها بضرب هذين المثلين، زيادة في التوضيح والتقرير، ومبالغة في البيان.
وهما مثلان لكلِّ من آتاه الله ضربًا من الهدى، فأضاعه ولم يتوصلْ به إلى نعيم الأبد، فبقيَ متحيِّرًا متحسِّرًا، يخبط في ظلمات الجهل والضلال. ويدخل في عمومه هؤلاء المنافقون؛ فإنهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق، باستبطان الكفر وإظهاره حين خلَوا إلى شياطينهم، وكانوا غالبًا من أحبار اليهود، الذين كانوا يجدون في هؤلاء المنافقين أداة لتمزيق الصف الإسلامي وتفتيته؛ كما أن هؤلاء كانوا يجدون فيهم سندًا لهم وملاذًا.
?وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين ? (البقرة:14 - 16).
هؤلاء المنافقون، الذين اشترَوا الضلالة بالهدى، والكفر بالإيمان، فخسروا كلتا الطلبتين؛ كأغفل ما يكون المتجرون، وفشلوا في تحقيق مآربهم الخبيثة، وأهدافهم الدنيئة، وحرموا أنفسهم من السعادة، التي رسم الله تعالى لهم طريقها، ثم غادروا دنياهم، وهم صفر اليدين من كل خير، مثقلون بأنواع الذنوب والآثام، كانوا- وما زالوا- أشدَّ خطرًا على الإسلام من الكافرين، الذين?خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ? (البقرة:7).
ولهذا جاءت آيات الله تعالى تنبِّه على صفاتهم، وتفضح نفاقهم، وتكشف عن حقيقتهم، وتحذر من خطرهم على المسلمين وعلىالكافرين؛ لئلا يغترَّ المؤمنون بظاهر أمرهم، فيقع لذلك فساد عريض من عدم الاحترازمنهم، ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفار في نفس الأمر. وهذا- كما قال ابن كثير- من المحذورات الكبار أن يظَن لأهل الفجور خير، فقال تعالى:? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ? (البقرة:8). أي: يقولون ذلك قولاً ليس وراءه شيء آخر، فكذبهم الله تعالى، ثم شرع يعدد صفاتهم، ويفضح نفاقهم، ويكشف عن زيغهم، وفساد قلوبهم، ويرد عليهم أقوالهم؛ وهم الذين حذّر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم منهم، بقوله سبحانه:? هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ? (المنافقون:4).
هؤلاءالمنافقون هم الذين ضرب الله تعالى لهم هذين المثلين، اللذين يصوران حقيقة أحوالهم، ويكشفان عن مكنون صدورهم، ويفضحان نفاقهم، ويرسمان ما كان يتولَّد في نفوسهم عند سماعهم القرآن من قلق واضطراب، وذعر وخوف، وحسرة وحيرة، وتيه وضلال، نتيجة كذبهم، وخداعهم، وتعاليهم، واستهزائهم، وتآمرهم.
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[19 - 11 - 2006, 11:54 ص]ـ
والمنافقون الذين ضُرِب لهم هذان المثلان هم قسم واحد خلافًا لمن ذهب إلى أنهم قسمان، وأن المثل الأول منهما مضروب للقسم الأول، وهم الذين آمنوا، ثم كفروا، وأن الثاني مضروب للقسم الثاني، وهم الذين لا يزالون على نفاقهم، مترددين بين الإيمان والكفر. وخلافًا لمن ذهب إلى أن المثل الأول يخصُّ طائفة الكافرين، الذين قال الله تعالى في حقهم:? خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وّلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ? (البقرة:7). وأن المثل الثاني يخصُّ طائفة المنافقين، الذين قال الله تعالى في حقهم:? وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ? (البقرة:8)؛ لأنالمنافقين، وإن كانوا- على ما قيل- قسمين: أئمة، وسادة مردوا على النفاق، وأتباع لهم كالبهائم والأنعام، فإن الأوصاف، التي ذكرت في الآيات السابقة من سورة البقرة هي أوصاف رءوس النفاق، لا أوصاف أتباعهم، وإن كانت تشملهم جميعًا؛ وهم المشار إليهم بقوله تعالى:
? أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِين ? (البقرة:14).
¥