[الجاموس الحبشي ... والثوب الصومالي]
ـ[كرم مبارك]ــــــــ[27 - 12 - 2006, 08:43 م]ـ
" راستا " أو " راستامان " أو " راستافا " ...
مصطلحات وتعبيرات كنت أراها مكتوبة على أدراج الطلاب أو على أبواب بعض المدارس أو على بعض جدران البيوت في بعض الأزقات الضيقة والقديمة ...
لم أكن أفهم مغزى تلك المصطلحات .. وحتماً لم يكن أحد ممن كتبها من هؤلاء المراهقين يعلم أو يفهم معانيها .. !
حالهم كحال ذاك الرجل الذى ألبس طفله قميصاً مكتوب عليه بلغة إنجليزية " حمار للبيع " وهو لايفهم ..
فكلما مشى مسافة استوقفه بعض الظرفاء وقالوا له وهم يشيرون إلى الطفل: بكم تبيع؟
وهو ينظر إليهم متعجباً ومستنكراً سخافتهم وثقل دمهم ... !
المهم إني بعد مدة وعن طريق صديق مغربي عاش في إمريكا علمت أن تلك المصطلحات هي مصطلحات كفرية ... !
فهذه المصطلحات ماهي إلا اختصار للعقيدة الراستافارية " Rastafariani" وهذه العقيدة كما دلت عليها المراجع نشأت في جامايكا في ثلاثينيات القرن العشرين، تجمع ما بين القومية الإفريقية والتصوف و شطحات أخرى.
يعيش معتنقوها في تقشف، فلا يأكلون الأطعمة الفاخرة، و ينبذون الكحول والمخدرات وتدخين التبغ، ولكن الماريجوانا هي الإستثناء، فهي تسمى (نبات الحكمة) والراستافاريون يرون أن تدخينها يورث استعدادا لتلقي التجارب الروحية بسبب ما تسببه من تهويم لعالم المادة الخادع
وللراستافارية عقيدة أخرى تتعلق بالمنظر الخارجي، وهي التي يميزها بهم الناس، هي تتعلق بعدم حلق شعر الرأس أو تهذيبه أو تمشيطه، فينمو الشعر "المتجعد غالباً" ويتداخل مع بعضه ليصبح مع مرور الزمن كشعرالمطرب بوب مارلي الشهير ...
كما يفضل الراستافاريون الألوان (الأخضر والأصفر والأحمر والسود) وترى هذه الألوان طاغية في أزيائهم وحاجياتهم المادية بشكل ملحوظ
وهذه الألوان الأخضر منها ترمز إلى أرض الميعاد والأحمرإلى دم العبيد المهدور في بابل عبر القرون الماضية ..
أما اللون الاصفر فيرمز لثروة أرض الميعاد، والأسود يرمز للأمة الافريقية
ويجدر بالذكر- كما ذكرالمطلعون - إنك إن زرت قبة الشيخ حمد النيل في السودان لرأيت أهل الطريقة هناك يلبسون ويحملون الأعلام الملونة بالأخضر والأصفر والأحمروالأسود، ولشاهدت شعورهم المتجعدة المسترسلة على أكتافهم تماما كالراستافاريين ووالمطرب العالمي الراستفاري بوب مارلي وفرقته ولا ندري ما السر وراء هذا التشابه الغريب في المظهر لدرجة تقارب التطابق ..
والراستافاريون يؤمنون - والعياذ بالله - أن إمبراطور الحبشة راس تافاري مكونن، الذي اسمه الإمبراطوري هيلي? سلاسي - ومعناه في الأمهرية قوة الثالوث المقدس- هو التجسد الثالث و الأخير لله على الأرض أو أنه المسيح ... تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.
وهذا الاعتقاد زادت قوته بعد اختفاء الإمبراطورهيلاسي في أعقاب الإنقلاب الذي أطاح بحكمه في 1974
وهيلاسي سلاسي هذا الجاموس الأثيوبي نفسه كان مسيحيا أورثوذكسيا على الطريقة القبطية
ومع ذلك كان أتباعه يعبدونه ويقدسونه ... ومن أشهرهم المطرب العالمي الهالك بوب مارلي وفرقته ..
وهو من نشربالموسيقى هذه العقيدة وهذا المصطلح بين شباب المسلمين فهو كلما صعد المسرح صرخ وبصوت عال وهو يشير إلى الجمهور: " راستا " ومحبوه يرددون من خلفه بشكل هستيري كأنهم حمير تنعق ...
وطبعاً بعض شبابنا المغفلين وجدوا في هذا الفعل وهذا المصطلح ضالتهم وجحر ضبهم الذي يبحثون عنه فتبنوه بالكتابة تارة وبالصراخ - تقليداً - لبوب مارلي تارة أخرى .. وهم لايعلمون أنهم إنما يمارسون طقساً دينياً لقوم هلكوا ...
وبما أن الحديث هنا عن الثيران والجواميس والحمير والبغال فلا مانع أن نعرج قليلاً إلى أحفاد ذاك الجاموس الهالك سلاسي لنتبين هل فيهم تلك الصفات الجاموسية أم لا؟
فمن المعروف أن الثور في حين يملك القوة البدنية الضخمة فهو في نفس الوقت لا عقل له ولا تدبير فهو عضلات من غير تفكير
لذا يتسلى به الأسبان بقطعة قماش أحمرثم يجرونه بعد مصرعه من قرونه بأربعة بغال للخارج، ويكون الجزارون بانتظاره، ليتم تقطيع لحمه ثم يباع ... أو يسحب إلى المزبلة ...
وهاهو المصارع الأميركي يكرر المشهد مع الثور الأثيوبي الحبشي ماسكاً بقطعة القماش الصومالية ليلعب بها مع الثور الضخم الغبي .. ويمزقها تمزيقا
وبما أن موسم دفن النعام - العرب - رؤسهم في الأرض قد بدأ منذ زمن وقد طال ... فإن الثور الهائج أخذ يصول ويجول غير عابىء بأحد فهو يحب اللون الأحمر وبما أن الدم المسلم الأحمر يسيل ولعاب الأمريكي أيضاً يسيل للمزيد فلا مانع لدى هذا الضخم الطائش أن يؤدي الدور بتفاني واخلاص طمعاً لرضى سيده الذي لم ولن يرض عنه أبداً لاختلاف الألوان ...
فهذا الأبيض ذو العيون الزرقاء لا ينظر إلى الأسود والأصفر والبني والحنطي وغيرهم إلا كعبيد يجب أن يخدمونه دون مقابل أو شرط
يجب أن يخون أحدهم أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه من أجله
ويجب أن يتجسس على قبيلته التي تأويه من أجل سواد عينيه
فلا تغتر أيها الثور الحبشي بسيدك فإن البغال الأربعة في انتظارك يوماً ما وستجرك إلى مزبلة التاريخ ...
إن أرض الحبشة كانت أرض الهجرتين التي فر إليها المسلون بدينهم ليجدوا المأوى والأمان تحت جناح النجاشي الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهادة تجعله من أعظم ملوك التاريخ على الإطلاق عند المسلمين (ملك لا يظلم عنده أحد)
فهذه الشهادة من النبي صلى الله عليه وسلم تجعل النجاشي ملك الحبشة أقرب إلى قلوب المسلمين من ملوك مسلمين كثيرين عبر التاريخ ..
ولعلها هذه الخصوصية وهذا التقدير لموقف أرض الحبشة هو الذي كبح جماح المسلمين من التوغل إلى أرض الحبشة ليفتحوها في حين فتحت البلاد من حولها وحواليها ...
ورغم هذا التقديرالإسلامي يأبى الثيران الجدد في أرض الحبشة إلا أن يلعبوا دور أبرهة الحبشي بدلاً من دور النجاشي ..
بقلم / الربيع الأول
¥