[الحملة الشرسة على الحجاب - مواقف وأحداث]
ـ[محمد ماهر]ــــــــ[23 - 11 - 2006, 12:44 ص]ـ
ظاهرة الحجاب في تونس ومقولة «الزيّ الطائفي»
رشيد خشانة**
مسار التدين التونسي
البورقيبية الجديدة
مع انتشار الحجاب بين النساء على نحو غير مسبوق في تونس تزايدت المخاوف في أوساط الحكم من أن تكون الظاهرة دليلا على إخفاق خيار العلمنة الذي انطلق مع الاستقلال (1956) فسارعت الحكومة إلى شن حملة شاملة على المحجبات تزامنت مع بدء السنة الدراسية وتوسعت في شهر رمضان. وركزت السلطات حملتها في البدء على التيارات الأصولية إلا أنها تطورت إلى سجال مع الحركات العلمانية واليسارية التي اعترضت على ما اعتبرته «تعاطيا أمنيا مع ظاهرة ثقافية – اجتماعية».
عندما نشرت مجلة «جون أفريك» الصادرة في باريس أول تحقيق عن المحجبات في تونس عام 1981 كانت الفتيات اللاتي تحدثت إليهن منتميات إلى «حركة الاتجاه الإسلامي»، الحزب الذي أعلن عن تأسيسه في الخامس من حزيران (يونيو) من العام نفسه والذي غير اسمه إلى «حركة النهضة» عام 1988.
بعد ربع قرن تغير المشهد تماما، فالمحجبات لا ينطلقن من موقف سياسي، لا بل إن غالبيتهن الساحقة لا تتعاطى السياسة ولا تحبها أصلا. وعندما عاودت المجلة الأسبوع الماضي نشر تحقيق جديد عن «معركة الحجاب» الدائرة حاليا في تونس لم تذكر مرة واحدة «حركة النهضة».
ويعزو الباحثون ظاهرة التحجب المتسارعة إلى عناصر مختلفة ومتضافرة ساعدت على اعتبار ارتداء الحجاب وإطلاق اللحى ركنا من أركان الهوية. فالحروب الدائرة في المشرق من العراق إلى لبنان دخلت إلى البيوت من دون استئذان بفضل المحطات الفضائية التي لا تغيب عن أي بيت حتى في الأحياء الشعبية.
وقالت الطالبة (هند – ك) إنها ارتدت الحجاب منذ ثلاث سنوات أيام الاجتياح الإسرائيلي للمدن والمخيمات في الضفة الغربية، لأنها شعرت «بالقهر والإذلال من دون أن تكون قادرة على فعل شيء لنُصرة الفلسطينيين».
أما الموظفة (سعيدة – ع) فاعترفت بكونها مدمنة على قناة «اقرأ» التي أقنعها الدعاة الذين تستمع إلى دروسهم عبرها «بالرجوع إلى الدين وارتداء اللباس الشرعي». كذلك لعبت الحملة الأمريكية على الإرهاب وما رافقها من شعور بقيام حرب حضارية بين الإسلام والغرب، دورا كبيرا في ترسيخ الشعور بالاستهداف لدى قطاعات واسعة من الشباب التونسيين الذين سافر كثير منهم إلى دول الجوار للانخراط في صفوف المقاومة العراقية.
مسار التدين التونسي
ويمكن القول: إن تلك الظاهرة كانت القسم العائم من جبل الثلج، أما القسم المتواري فتمثل في الإقبال غير المسبوق على ارتياد المساجد وتوسع مسار التدين، مع ظهور تأثيرات لحركات دينية متشددة انتشر مؤيدوها في الأحياء الشعبية التي "تُزنِّر" العاصمة تونس، بعضها جهادي وبعضها الآخر يحض على إحياء الخلافة الإسلامية مثل «حزب التحرير الإسلامي».
مع ذلك أصر قياديو «التجمع الدستوري الديمقراطي» الحاكم، الذين توزعوا في الأيام الأخيرة على المحافظات لإلقاء خطابات تهاجم المحجبات، على اعتبار الحجاب علامة انتماء لحركة «النهضة»، على رغم تلقيها ضربة قوية مطلع التسعينيات من القرن الماضي جعلت غالبية كوادرها موزعين بين السجون والمنافي.
وأكد وزير الخارجية عبد الوهاب عبد الله، وهو أيضا عضو في المكتب السياسي لـ «التجمع» أن الحجاب «شعار سياسي تستخدمه مجموعة صغيرة تختبئ وراء الدين لتحقيق أهداف سياسية»، وهو ما كرره أيضا أحمد عياض الودرني مدير مكتب الرئيس بن علي (ويحتل أيضا مقعدا في المكتب السياسي) الذي حذر من أن الحجاب «يرمز إلى انتماء سياسي متستر بالتدين والتطرف» في إشارة إلى «النهضة».
لكن إذا صح أن جميع المحجبات منتميات إلى تلك الحركة لباتت أكبر حزب في العالم الإسلامي، إذ قُدرت نسبتهن بـ25 إلى 30 في المائة من السيدات التونسيات (عدد النساء الإجمالي 5 ملايين سيدة)، إضافة إلى اتساع الظاهرة بين الفتيات وحتى الصبايا اليافعات. وفي مقابل الحجاب اقترح سياسيون ومثقفون مناصرون للحكومة العودة إلى ارتداء الأزياء العتيقة بصفتها «جزءا لا يتجزأ من الهوية التونسية».
¥