[التدليس في تاريخ الدولة الإسلامية العثمانية]
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[04 - 12 - 2006, 11:10 ص]ـ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) سورة آل عمران
في بداية القرن الفائت، تمكّن الغرب الكافر بقيادة أوروبا من هزيمة الدولة الإسلامية وإزالة قوة المسلمين التي هدّدت وجوده لقرونٍ طويلة. ولم تُساعده القوة العسكرية والحملات الصليبية على ذلك بقدر ما ساعده الغزو الفكري والتبشيري لمسلمين. فقد لجأ الأجنبي إلى تسميم عقول المسلمين بما يقوله عن الإسلام وتاريخ المسلمين باسم "البحث العلمي والنزاهة العلمية"، وما ذلك في الحقيقة إلا للإنتقام من المسلمين وتمكين أقدام الإستعمار والمستعمرين.
وقد دفع البُغض والحقد المستشرقين إلى الطعن في كل فترات وشخصيات التاريخ الإسلامي، حتى أنهم لم يتورعوا عن النيل من الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه. وتصدّى المؤرخون المسلمون لهم، فكتبوا الوقائع كما رأوها حية أمام أعينهم، وكان لكتاباتهم الفضل الكبير في إنصاف المسلمين وكشف الحقائق والرد على دجل المستشرقين.
غير أنه في فترة الخلافة العثمانية، ونظرًا للضعف الفكري الذي اعتراها، وانشغالها بحمل الدعوة الى سائر الامم والجهاد وصدّ الحملات الصليبية، قلّ الإهتمام بتدوين التاريخ والوقائع نسبةً لما كان عليه الأمر أيام الخلافة العباسية وما قبلها، في حين أن أوروبا أخذت تخرج من عصر الظلمات وتخطو حثيثًا نحو الثورة الفكرية والعلميّة. لذلك ازداد عدد المستشرقين، وكثُرت الإفتراءات على دولة المسلمين، وقلّت المصادر التي ترُّد هذه الإفتراءات، فنجح الغرب في وضع التاريخ الاسلامي لهذه الحقبة في إطار أسود وصوّر الإسلام على أنه "بعبع الإنسانية" أو المارد الهائل الذي سيقضي على تقدّم الإنسانية. -نقول كل هذا مع عدم إغفالنا أو نفينا لوجود بعض الأمور والحوادث التي لا يرضاها الإسلام وتتعارض مع أحكامه في فترة خلافة آل عثمان، وطبعًا الذنب في ذلك ذنبُ المُسيء بشخصه لا ذنب الإسلام، فهي حوادثُ فردية أسيء فيها تطبيقٍ الإسلام العظيم خصوصًا في العصور المتأخرة-
من هنا فإن فترة الخلافة العثمانية طالها من التدليس والكذب ما لم يطل غيرها من الفترات الإسلامية، وزاد الطين بلة أنه نبت من المسلمين المثقفين نابتة تُعلّم هذا التاريخ وتؤلف فيه على الأسلوب والمنهج التبشيري.
فمثلاً، الفريةً اللئيمةً التي لا يكاد يخلو منها إلا القليل من الكتب التي تؤرخ للعثمانيين المسلمين، والتي تزعم أن الخلفاء العثمانيين كانوا يملكون الحق، بموجب فتوى شرعية إسلامية، في قتل من يشاؤون من إخوانهم أو بني رحمهم، أو أقاربهم، حتى ولو كانوا أطفالاً رُضَّعًا، بحجة الحفاظ على وحدة المسلمين، ولقطع الطريق على أية فتنة يمكن أن تبرز إذا حاول أحدهم المطالبة بالسلطة لنفسه!!!
والغريب أن المستشرقين يستشهدون على هذه الفريّة -وللأسف ينقاد ورائهم بعض المؤرخين المسلمين- بالزعم أن الخليفة محمد الفاتح قتل أخاه الرضيع أحمد جلبي بعد تسلمه الخلافة خوفًا من أن يزاحمه الخلافة حينما يكبر! وقد زعم مروجو الفرية أن الخليفة محمداً الفاتح أرسل علي بك وهو أحد قواد جيشه، إلى جناح النساء لقتل أخيه الرضيع، فلما علم علي بك أن الطفل موجود في حمام النساء حيث تقوم مربيته بغسله، اقتحم الحمام وأمسك بالطفل الرضيع وغطّسه تحت الماء حتى مات مختنقاً غرقاً!!!
لنقف قليلاً لنتعرف على السلطان محمد الفاتح، فهو الخليفة المسلم الذي فتح القسطنطينية وسماها "إسلام بول" (إستانبول فيما بعد). وهو الذي قال عنه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: "لتَفْتَحُنّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" [مسند أحمد: 4/ 335]. ومحمد الفاتح تربّى على مائدة القرآن، على يد خيرة علماء عصره، أمثال الشيخ أحمد بن إسماعيل الكوراني الذي كان الفاتح يسميه «أبا حنيفة زمانه»، والشيخ تمجيد أوغلو، والشيخ محمد جلبي زاده، والشيخ مولا إياش، والشيخ الغوراني، والشيخ سراج الدين الحلبي، والشيخ آق شمس
¥