[أما آن لهذا الميت أن يدفن؟]
ـ[عباس ابن فرناس]ــــــــ[07 - 01 - 2007, 03:21 م]ـ
إذا كان «إكرام الميت دفنه» كما يقال، فإن ما نحن بصدد الحديث عنه اليوم قد أهين حياً وميتاً. فهو وجد ليكون أماً رؤوماً لمئات الملايين من العرب، يحنو عليهم ويعوضهم عن الحنان الذي فاتهم بسبب ضيم الاستعمار الغربي، فجاء هذا المخلوق ليعبر عن الوحدة العربية، وسمي «جامعة» تفاؤلاً بجمع كلمة الأمم التي كانت واحدة ثم تفرقت أيادي سبأ.
جامعة الدول العربية التي أنشئت في 19 آذار (مارس) 1945، جاء تأسيسها استجابةً لدعوة من وزير خارجية بريطانيا انتوني إيدن، الذي دعا في 29 أيار (مايو) 1941 إلى تحقيق وحدة عربية، ثم صرح الوزير المذكور في مجلس العموم البريطاني في 24 شباط (فبراير) 1943، بأن الحكومة البريطانية «تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية».
أكثر من ستين عاماً انقضت منذ إنشاء الجامعة العربية، ولم تَخطُ الجامعة خطواتها الأولى بعد، فلم تحقق الجامعة لشعوبها وحدة اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو ديبلوماسية أو عسكرية، أو حتى اجتماعية! على رغم وحدة لغة ودين وعنصر شعوبها.
مشكلات الجامعة العربية تبدأ للمتأمل منذ قراءة الجملة الأولى لميثاقها، الذي يعكس بُعْدَ الرابط بين الشعوب العربية وواضعي ميثاق المنظمة الإقليمية الكبيرة. ففي الوقت الذي تُستفتح فيه مواثيق المنظمات الدولية العالمية والإقليمية باسم شعوبها، كما في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يبدأ بعبارة «نحن شعوب العالم ... »، نجد أن ميثاق الجامعة العربية يستفتح بعبارة «نحن ملوك ورؤساء الدول ... ». ولعل في هذه الإشارة العابرة ما يغني عن التفصيل.
اليوم ... تعيش الأمة العربية تمزيقاً غير مسبوق بأيد خارجية متعمدة، ففي لبنان تتوالى الغارات الإسرائيلية من غير هوادة ضد المدنيين والأهداف المدنية، وفي العراق يعيش العراقيون أسوأ أفلام رعب الكاوبوي الأميركية حقيقة كل يوم، وفي الصومال تحديات لوحدته الوطنية القائمة ضد الرغبة الأميركية، وفي السودان تهديدات بتمزيقه إرباً إرضاءً لرغبات خارجية، وفي سورية تهديدات متواصلة لقيادة لم ترضخ بعد للسيادة الإسرائيلية، وفي فلسطين حصار وتجويع لأمة كاملة، لأنها اختارت نهجاً ديموقراطياً لا يتوافق والهوى الإسرائيلي - الأميركي، والجامعة العربية - التي تناست اتفاق «دفاع مشترك» كانت وقعته الدول الأعضاء عام 1950، اعتبرت بموجبه أن أي اعتداء على أية دولة عربية يعتبر اعتداءً على بقية الدول جميعاً - تقف من هذا كله موقف المتفرج.
ففي لبنان، لا تزال إسرائيل تفرض حصاراً برياً وبحرياً وجوياً، وتقصف المناطق المدنية في لبنان، معلنةً بذلك «حال حرب» كما وصفتها فرنسا، ضاربةً بكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط. وعلى رغم ذلك لم تصدر الجامعة العربية بعدُ مجرد «بيان استنكار»، كما فعل الاتحاد الأوروبي، الذي أصدر بيان استنكار ضد «استخدام القوة المفرطة» من قبل الدولة العبرية.
وفي العراق، انتُهكت سيادة دولة كاملة، وشُنت حرب عليها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، قتل فيها ما يزيد على مائتي ألف مواطن عربي عراقي، ولكن الجامعة العربية - التي أعلنت عن موقف عربي موحد يرفض شن حرب على العراق قبل وقوعها - لم تصدر بيان شجب أو استنكار واحد بعد أن هاجمت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق. الأمر الذي أراق ما تبقى من كرامة لهذه الجامعة، ولعله السبب الذي حدا ببعض جماعات العنف لرفض هذا الصمت، والقيام بأعمال عنف غاضبة. فبعد الهجمات التي قامت بها مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين على عدد من الفنادق في الأردن، زعم التنظيم في بيان له أن تلك الهجمات جاءت «رداً على مؤامرة استباحة دماء وأعراض المسلمين ... على مسمع من جامعة الدول العربية».
وفي فلسطين، لا يزال موقف الجامعة اليوم من تحليها بحكمة الصمت الكامل حيال الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة في غزة، بعد عملية أسر الجندي الإسرائيلي من قبل مجموعات فلسطينية، مريباً. وقد تقدم رئيس حكومة فلسطين في 2 تموز (يوليو) 2006، أي قبل أسبوعين، بطلب إلى الأمين العام للجامعة العربية لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، ولا يزال ينتظر الرد!
¥