تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أدبيات سياسية .... حِلم .. وجهل

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[20 - 01 - 2007, 04:13 م]ـ

أدبيات سياسية

حِلم .. وجَهْل

عبد الله عيسى السلامة-كاتب وأديب سوري-

وردَ في الأثر، أن النابغة الجعدي، قال قصيدة بين يدي النبيّ (ص)، فيها هذان البيتان:

ولا خَيرَ في حِلمٍ إذا لمْ يكنْ له = بَوادِرُ تَحْميْ صَفْوَه أنْ يُكَدَّرا

ولا خَيرَ في جَهلٍ إذا لمْ يكنْ له = حَليمٌ إذا ما أوردَ الأمْرَ أصْدَرا

فقال له النييّ (ص)، حين سَمع هذين البيتين: (لا فُضَّ فوك!) إعجاباً بهما، واستحساناً لمعناهما. وقيل إنه عاش أكثر من مئة عام، ولم تسقط له سنّ واحدة .. !

هل يحتاج هذان البيتان إلى تفسير!؟ ربّما .. مع أن معناهما واضح كالشمس! إن معناهما متغلغل في حياتنا كلها، في سائر فروعها وتفصيلاتها (السياسية والاجتماعية والخلُقية .. !).

أ – الحلم الزائد لدى شخص أو قبيلة أو دولة .. يُجرّئ السفهاء، على مَن يتحلّى بهذا الحلم الزائد، فيتطاول مَن يتطاول، ويتَحامَق مَن يتحامق، ويعتدي من يعتدي .. ! ويظلّ الحليم متمّسكاً بحِلمه، لايدفع عن نفسه أذى الآخرين .. ! فهل يظلّ هذا الحِلم حِلماً والحال هذه أم يَتحول إلى شيء آخر، ويفقد قيمته السامية .. كأنْ يسمّى مثلاً: (جبناً) أو (هَواناً) أو أيّة تسمية أخرى تناسبه .. !؟

ونحسب معنى البَوادِر هنا صار واضحاً .. إنها الأفعال التي تَدفع الأذى عن الحليم، كيلا يتحول إلى جبان، وعن الحلم، كيلا يتحول إلى جبن، أو هَوان .. !

وإذا كان هذا المعنى على المستوى الفردي والقبَلي، أظْهَرَ منه على المستوى السياسي إذ ليس ثمّة فرد لايعرف دلالته في حياته اليومية، وليس ثمّة قبيلة لاتعرف كنهه في تعاملها مع القبائل المحيطة بها فإنه على المستوى السياسي، لاسيّما في تعامل الدول فيما بينها، ليس على هذه الدرجة من الوضوح .. ! ذلك أن قيمته الخلقية تتحول، في التعامل السياسي، إلى قيمة سياسية، تَستمدّ وزنها وحجمها من تزاوج القوّة والمصلحة، في إطار النسيج المعقّد لتشابك القوى والمصالح، في ساحات العمل السياسي الداخلية والخارجية .. !

والنتيجة واحدة في المحصّلة النهائية! هناك خطأ في فهم (الحِلم) وعدم استعمال الوسيلة التي تحميه وتحمي صاحبه .. وهنا خطأ في فهم (الواقعية السياسية!)، وعدم إعداد القوّة المناسبة، لحماية المصلحة العليا للدولة .. !

ب – الجهل الوارد في بيت الشعر الثاني: هو التحدّي والنزوع إلى العدوان ..

قال عمرو بن كلثوم التغلبي، في قصيدته المشهورة (المعلّقة)، يتحدّى عمرو بن هند، ملك الحيرة، في القصة المعروفة، التي أرادت فيها أمُّ الملك إهانة أمِّ الشاعر، فغضبَ الشاعر فقتَل الملك:

ألا لا يَجْهلَنْ أحَدٌ علينا = فنَجْهلَ فوقَ جَهلِ الجاهلينا

فالجهل، بهذا المعنى، مطلوب في حدود الحاجة التي تقتضيه. فإذا زاد عن حَدّه وجَب أن تَتصدّى له قوّة الحِلم، لتكبح جِماحَه، وتكفكف من غلوائه .. وإلاّ دمّرَ نفسَه وصاحبَه، ومَن حولَه مِن أهل الحلم، والمجتمعَ كلّه .. !

ت _ عنصر الضبط والموازنة: لابدّ من قوّة تشكّل عنصر ضبط وموازنة، بين العنصرين الحلم والجهل. والمكان الذي تَغيب عنه هذه القوّة، يحكمه قانون الغاب .. ! إذ يطغى الجهل، ويتمادى في طغيانه، حتى يجرّ الحلم وأهله، إلى ساحة الطغيان والتمادي والعدوان، ويُهلك الحرث والنسل، في دوّامة التداعيات التي يثيرها الفعل وردّ الفعل .. !

وإذا كان الأفراد في القبيلة يحكمهم قانون القبيلة، والقبائل في الدولة يحكمها قانون الدولة .. فإن الدول في العصر الحاضر، تحكمها قوانين دولية، تنظّم العلاقات فيما بينها ..

ولمّا كانت القوانين الدولية الحالية، صادرة عن مؤسسات دولية، صنعتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، لتنظّم في إطارها علاقات القوّة .. كان لابدّ لهذه القوّة من أن تُطلَّ برأسها، بين حين وآخر، من هذا الطرف الدولي القويّ أو ذاك، تجاه بعض الأطراف الصغيرة .. فتتصدّى الدول القوية الأخرى، داخل المؤسّسة، لحماية الطرف الضعيف، دفاعاً عن مصالحها، في هذه البقعة من العالم، أو تلك .. !

فإذا حَصل التجاوز دون تَصدّ له يَردعه، حَصلت الفوضى الدولية .. ! وهذا مانشهد بداياته اليوم في العالم .. !

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير