تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قرأت لك: {رحلتي .... في رحاب لغتي}]

ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[03 - 12 - 2006, 10:22 م]ـ

رحلتي .... في رحاب لغتي

بقلم: د. فاروق مواسي

[email protected]

منذ أن شرعت أقرأ، وأعي ما أقرأ، أخذت لغة القرآن تتنفس في وجداني بيانًا وإيقاعًا وإمتاعًا. كنت أنهض من النوم على قراءة والدي لسورة (الكهف) أو (مريم) وسواهما، فأشنف أذني بهذا الخشوع .... وأحاول أن أتدبر- وأنا على فراشي- معنى هذه الكلمة وتلك، وأُكثر من استعمال المعجم أو كتب التفسير حتى أعي المعنى.

ثم تمكنت بصبر غريب أن أطالع معجم المنجد كله، لأدوّن ما أحب من كلمات

ارتأيت أن أعرفها، أو لأصوب خطأ شائعًا، أو لأخطّئ هذه العبارة أو تلك.

وظلت هذه "الآفة" تلاحقني .... فلا يكاد يخطب خطيب إلا رأيت أن هناك خطبًا في اللغة، بسبب اللحن والركاكة أو التكرار أو الإطالة المملة،أو كلها معًا ولا يكاد يكتب كاتب ويسلم من ملاحظاتي- إذا أحب أن يسمعها فعلاً، وإذا كان يتقبلها بتسامح، وما أندر ذلك التسامح!

وأسعفني على هذه "الحراسة" الطوعية للفصيحة أنني عدت إلى كتب "النحوالواضح" و"مبادئ العربية" و "سلم اللسان" فحفظتها ... أو على الأقل تدارستها. وكان لتدريسي مادة العربية دافع لأن أدرس " البلاغة الواضحة"، وأمثلة الكتاب فيها، وأحفظ القصائد الكثيرة التي أعلمها خاصة .... وأتابع كتب "تيسير الإنشاء" المختلفة، وأدْرس العروض وحدي، ذلك لأننا لم نلَقَّن هذا العلم في المدارس، ولا في الجامعة.

وكانت دار الإذاعة قد أعلنت عن إجراء مسابقات في اللغة والأدب، يحظى الفائز فيها بجائزة مالية، إضافة إلى هذه الجائزة المعنوية التي لا بد منها إعلاميًا. فشاركت في مسابقة عن المتنبي وشعره، وحفظت آنذاك _سنة 1966 مئات الأبيات، وشاركت كذلك في مسابقة عن الشعر الهجري، و أخرى عن الخنساء، وكنت الفائز الأول فيهما. بيد أن مسابقة القرآن الكريم كانت مفصلاً هامًا في حياتي، فقد تقدم نحو خمسين مرشحًا للفوز بجائزة "حفظ القرآن الكريم-الفائز الأول".

وبعد إجراء امتحانات تحريرية وشفهية حظيت بالجائزة المميزة (آذار 1967)، ولم يتسنَّ لي ذلك لولا هذا الحفظ الذي خَصصت له وقتًا طويلاً، وكنت أقف في ذلك على كل شكل لحرف .... مما يدعوني أحيانًا لأتساءل عن إعراب هذه الكلمة أو معنى تلك، ..... والتساؤل هو بداية البحث- كما هو معروف-.

وبرغم هذا الجو المحافظ الأصيل، فقد تركت لنفسي فسحة .. لكل تجديد، وكانت جملة طه حسين عن اللغة: " ..... ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها " التي كنت استمع إليها في مقدمة البرنامج اللغوي الإذاعي (أبجد هوز) محفزًا لي على التسامح في بعض الأمور اللغوية. (وسأتناول ذلك بعد سطور) ...... ذلك لأن مارون عبود الذي قرأته في أواسط الستينيات كان له تأثير ملموس على توجهي اللغوي والأدبي؛ يقول عبود في كتابه "مجددون ومجترّون":

"فالتقليد داء أدبنا الوبيل، هو تصلب شرايين قلب الأدب العربي .. قال الشاعر العربي: وسقى ضريحَك صيّبُ القطر، والله لا أدري لماذا هذه السقيا، أ ليفرخ وينبت ويصير دمنة ترعاها الإبل والشاء؟ أم لترتوي كبده الباردة؟

أما نحن فأعدنا كلامهم بلا تفكير، ورددنا ما قالوه أجيالاً، ولم نتساءل لماذا؟ ...... وأما نحن فما يجعلنا نقول مثلهم؟ ... ألسنا نقول هذا لأننا نفكر بعقول غيرنا؟؟! ".

****

رأيت أن لغتنا "يسر لا عسر"، وقد كتبت للأستاذ محمد علي سعيد الذي جشم نفسه في إعداد كتاب"كنوز اللغة العربية"-لطلاب المدارس الابتدائية، سنة 1980 - أن هذه المجموعة لا تقدم غذاء لغويًا صحيًا، بل جرؤت على القول إنها تنفره من لغته، إذ ليس ثمة ضرورة أن يعرف التلميذ كنى وألقابًا عفا عليها الزمان- كأن يعرف أن "أم ليلى" هي الخمرة، وأن "أبا خالد" هو الكلب، "وأم دفر" هي الدنيا.

ثم ما حاجة التلاميذ لمعرفة صوت الدب بأنه (القهقاع) وصوت القفل، وكذلك العقرب والفيل والخنزير والفأرة أنه (الصَئِيّ) وأن (الشبرق) هو صغير القط و (الخرنق) صغير الأرنب.

وتبقى مشكلة لفظ كل حرف وحرف، وكيف يجب أن ننطق الكلمة. وأكرر ذلك كيف يجب أن ننطق كل كلمة؟

من هنا فإننا مدعوون للابتعاد عن التكلف والثقل في مثل هذه الألفاظ، وذلك حتى تكون لغتنا مأنوسة لطيفة محببة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير