فمثلا ــ يضيف ــ يقوم المحامي بالطعن علي الحكم الصادر ضد موكله النصاب لعدم الاختصاص فإذا ذهبت الجنحة إلي المحكمة المختصة يقوم المحامي بعد فترة بالمعارضة وهي نوع من أنواع الطعن علي الحكم , لأن جميع هذه الأحكام تصدر غيابيا , وهكذا إذا قام بالمعارضة لا ينفذ الحكم ... وهكذا دواليك إلي ما لا نهاية , حتي إن هذا النصاب ــ الذي نصب علي ــ تبين أن عليه ما يقرب من مائة حكم في جنح نصب مختلفة , ولم ينفذ عليه أي منها , بسبب هذه الألاعيب , التي يتقنها هؤلاء النصابون جيدا.
جريمة الساعة
الأمر هكذا فإن جريمة النصب أصبحت ــ من أخطر الجرائم في مصر , بل هي جريمة الساعة. ويتابع: هذا ما يجعلنا نخاطب المشرع بأن يغلظ من طبيعة هذا الجرم , بحيث يتحول من جنحة (الحبس فيها أقله شهر وأقصاه ثلاث سنوات , وهي كالسب والقذف) إلي جناية (العقوبة تصل فيها إلي الإعدام أو المؤبد , وهي كالسرقة والتخابر) وأن يحال النصابون إلي المحاكم الجنائية مباشرة بأن يحاكموا محاكمة عاجلة , وأن تسد الثغرات ــ بالذات ــ في قانون الإجراءات الجنائية , بحيث تنفذ العقوبة مباشرة كسائر الجرائم الأخري , ولا يوجد للمحكوم عليه في مثل هذه الجرائم سوي الطعن بالنقض فقط.
تعديل القانون ضرورة
متفقا مع الرؤية السابقة , يسلط الدكتور أحمد العطار ـ وكيل كلية الحقوق بجامعة عين شمس وأستاذ القانون الجنائي ـ الضوء علي كيفية تعامل المشرع المصري مع جريمة النصب بتوضيحه أن الفلسفة التي كانت تقف وراء هذه النصوص قد تغير مفهومها لأن قانون العقوبات المصري الذي يسري حاليا هو القانون 56 لسنة 1937, ولا ريب في أنه بعد مرور 70 سنة تغيرت أساليب النصب والاحتيال , إذ أصبحنا نفاجأ يوميا بحالات نصب , ويقع الضحية تحت تأثير الطرق الاحتيالية , ويكون المبلغ أو المال الذي تحصل عليه ذا قيمة عالية جدا تصل الي ملايين الجنيهات في بعض الأحوال.
ويواصل: نعتقد أن المشرع يجب عليه أن يسارع إلي استحداث نصوص جديدة يشدد فيها عقوبة جريمة النصب خاصة أن النصوص الحالية تساوي في العقاب بين من ينصب فيحصل علي جنيه واحد ومن يترتب علي فعله الإجرامي حصوله علي مليار من الجنيهات برغم التفاوت الشديد بين الحالتين!
والأمر هكذا يهيب الدكتور أحمد العطار بالمشرع المصري أن يشدد عقوبة النصب , أو في أقل القليل أن يجعلها متدرجة تبعا للمال الذي وقع الاعتداء عليه.
لا تخونوا وطنكم
عند هذه النقطة يؤكد الشيخ سالم محمد سالم أمين لجنة الفتوي بالأزهر أن حوادث النصب لم يسلم منها ـ حتي ـ علماء الدين بل حاول النصابون إيقاعهم في حبائلهم .. ويروي هذه القصة:
اتصل بي في اللجنة شخص ادعي أنه مهندس بترول , وأنه يريد مهندسين فنيين للعمل بها , وأعطانا رقما هاتفيا , لنرسل أقاربنا , ومن نعرفهم , للعمل معه , فكان كل من يتصل به يقول له: ابعث رسالة علي رقم الفاكس , وحوالة بريدية بألفي جنيه! .. وهكذا تبين أنه لا يعمل في الشركة المشار إليها , وليس له بها أي صلة.
تجربة أخري كانت للشيخ سالم مع شركة شينل الصينية .. يقول: جاء إلينا العديد من الشباب في لجنة الفتوي , يسألوننا عن حكم الدين في التعامل معها , وقد ناقشت معظمهم كثيرا , ونصحتهم بألا ينساقوا للعمل معها , لأنها تنصب عليهم , نصبا جليا لا لبس فيه , بل وتستنزف أموال أهاليهم , وتسبب الضرر لاقتصاد وطنهم , وقلت لهم: اتقوا الله واتركوا هذا النصب. ويرفع صوته: أقول لكل مسئول: قم بواجبك في محاربة النصب , وإلا كنت خائنا لوطنك.
الموزعون ضحايا
الأمر هكذا: ما الموقف القانوني لضحايا شركة شينل وغيرها من شركات النصب المشابهة؟
يجيب عبدالله عكاشة رئيس جمعية أنصار العدالة للمساعدات القضائية وحقوق الإنسان (جمعية اهلية) بأنه في حالة كون الموزعين لا يعلمون حقيقة الأثر الطبي لهذا الجهاز , ويسعون إلي توزيعه بهدف الحصول علي أرباح , فهم ضحية لخداع هذه الشركة , ويحق لهم رد الجهاز , واسترداد قيمته. وفي حالة رفض الشركة يحق لهم اللجوء إلي القضاء للمطالبة بذلك مع التعويضات.
أما بالنسبة لأصحاب الشركة أنفسهم ـ يضيف ـ فهم متهمون بتسويق جهاز طبي دون الحصول علي تراخيص , وكذلك متهمون بالاستيلاء علي أموال بطرق احتيالية.
ومن ثم فعلي كل من يري في نفسه أنه تضرر من التعامل مع هذه الشركة التقدم ببلاغ إلي النائب العام للقبض علي المسئولين بها , والتحفظ علي أموالها , وتقديمهم إلي المحاكمة.