- بل نقول لمن يتعجب أن يولد عيسى من غير أب: إن آدم خلق من غير أب وأم، فأمْرُه أشد غرابة لمن يتعجب، وأمرُ الله بين الكاف والنون، فلا غرابة وقد نبه الله تعالى إلى أن خلق عيسى كخلق آدم عليهما السلام، والله يفعل ما يشاء " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له: كنْ فيكونُ ".
وتعال معي نقرأ القصة الشائقة بالتعبير القرآني الفريد بالحوار السلس البيّن لترى مكانة عيسى عليه السلام عند المسلمين الذين يحبونه ويجلونه نبياً كريماً وبشراً معصوماً:
- واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً.
- فاتخذت من دونهم حجاباً.
- فأرسلنا إليها روحنا، فتمثّل لها بشراً سويّاً.
- قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً ...
فهي طاهرة حصان،ليست مثل من يدعي اتباعها ثم يرى الزنا والشذوذ أمراً عادياً!
- قال: إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً
- قالت: أنّى يكون لي غلام
1 - ولم يمسسني بشر،2 - ولم أك بغيّاً
فالمرأة الشريفة لا يملكها الرجل إلا بالحلال، ومريم لم تتزوج، وليست زانية. فهي تتعجب من عملية الحمل دون ذينك الأمرين. فأين النساء اللواتي يدّعين حبها منها؟!. لو كنّ أتباعها لاقتدين بها وسِرْنَ على طريقتها من الشرف المصون والعفة التامّة.
- قال: كذلكِ قال ربك هو عليّ هيّن، ولنجعله آية للناس ورحمة منّا، وكان أمراً مَقضِيّا ً.
- فحملته فانتبذت به مكاناً قصيّاً. فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة.
- قالت: يا ليتني مِتّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً.
- فناداها من تحتها ألاّ تحزني، قد جعل ربك تحتك سريّا.
- وهزّي إليك بجذع النخلة تُساقطْ عليكِ رُطَباً جنيّاً. فكلي واشربي، وقَرّي عيناً.
- فإما ترَيِنّ من البشر أحداً فقولي: إني نذرت للرحمن صوماً، فلن أكلم اليوم إنسِيّاً.
ملاحظة: لم تكن ولادة عيسى عليه السلام في الشتاء، إنما كانت في الصيف، ولجوء العفيفة الطاهرة إلى جذع النخلة صيفاً .... ولو حدث الأمر شتاء لماتت وابنها من البرد. يقول العلماء كان حملها وولادتها أيام نضوج ثمار النخيل. ولئن ادعى أحدهم أن هذا من المعجزات قلنا: إن لجوءها خارج المعبد بعيداً عن الناس وعيونهم ليس فيه معجزة بل فيه الخوف من المصير المجهول الذي رأت نفسها متورطة فيه، وكانت عين الله ترعاها.
- فأتت به قومها تحمله.
- قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فريّاً. يا أخت هارون، ما كان أبوك امرأ سَوْءٍ، وما كانت أمك بغيّاً.
لاحظ الحالة النفسية التي كانت تعيشها، وتخطيط المولى سبحانه لإنقاذها، فلم تتكلم.
- فأشارتْ إليه.
- قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبيّاً؟!.
- قال: 1 - إني عبد الله. 2 - آتاني الكتاب. 3 - وجعلني نبيّاً. 4 - وجعلني مباركاً أينما كنتُ. 5 - وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً. 6 - وبراً بوالدتي، ولم يجعلني جباراً شقياً ...
فهو إنسان كريم رباه الله تعالى على عينه، ثم كلفه بما كلف الأنبياء صلوات الله عليهم.
ولا شك أن أتباعه- عليه السلام سيؤمنون به حين نزوله إلى الأرض آخر الزمان يحكم بشرع الإسلام " وإنْ من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً " النساء الآية 159. ولعلنا نرى عيسى عليه السلام يبشر بمجيء المصطفى عليهما الصلاة والسلام في سورة الصف الآية 6 " ... ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " فأتباعه هم الذين يُصَدقونه ويؤمنون بالنبي الأمي الذي جاء رحمة للعالمين. وهادياً للمتقين.
إن احتفالنا بميلاد عيسى عليه السلام دليل حب له ولكل الأنبياء ... أما احتفالنا واحتفاؤنا به صلوات الله عليه وسلامه فبالتوجه إلى الله تعالى نسأله الهداية والرشاد، ونعاهده أن نكون عباداً صالحين، وأن نلتزم شرعه القويم الذي ارتضاه لنا، ونبتعد عن المباذل والمفاسد، وعن كل ما يغضبه سبحانه.
اللهم إننا نؤمن بعيسى نبياً كريماً دعا إلى عبادتك فبيّن وبلّغ الأمانة وأدى الرسالة.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى الأنبياء جميعاً واحشرنا في زمرة عبادك الصالحين.