وصلت أخبار المذبحة العظيمة لأهل السنة إلى بلاد الدولة العثمانية في تركيا، إضافة على أخباره السابقة عن تشييع أهل السنة بإيران وقتل الآلاف المؤلفة، بل جسر إلى إرسال دعوته إلى داخل الدولة العثمانية. لذا اجتمع السلطان العثماني سليم الأول في عام (920هـ/1514م)، برجال الدولة وقضاتها وعلماءها ورجال السياسة، وقرروا أن الدولة الصفوية تمثل خطراً على العالم الإسلامي بالعموم وعلى الدولة العثمانية بالخصوص، لذا قرر السلطان إعلان الجهاد المقدس ضد هذه الدولة واستبقها بأعمال نلخصها بما يلي:
1 - أرسل السلطان سليم مراسلات للشاه إسماعيل الصفوي، وكان السلطان سليم يكلمه بغلظة.
2 - طهر بلاد تركيا من الشيعة التابعين للشاه الصفوي.
ولما لم يستجب الشاه إسماعيل لدعوة السلطان سليم الأول بالتسليم قرر السلطان السير بالجيش بقيادته مستعيناً ببقايا أسرة "آق قونيلو"، وأراد الشاه إسماعيل تأخير الحرب لفصل الشتاء كي يهلك الجيش العثماني جوعاً وبرداً.
أحس إسماعيل بالخطر فطلب الهدنة ولكن السلطان استمر في زحفه إلى صحراء جالديران شمال تبريز حتى وصلها سنة 920هـ/1514م)، وسحق الجيش الصفوي الشيعي على أرضه، وفر الشاه إسماعيل تاركاً كل أمواله، وأسرت زوجته، وقتل الخائن "محمد كمونه" السابق ذكره. وهكذا أخرج الصفوين من العراق بعد احتلال دام ست سنوات منذ (914هـ - 920م).
شعر الشاه إسماعيل بالضعف وشرع بالبحث عن صديق ليتعاون معه ضد العثمانيين، وكانت للبرتغاليين الصولة العظمى في بلاد العرب وخاصة طموحهم بواسطة اسطولهم في بحر العرب والخليج العربي واستيلاء قائدهم "البو كريك" على مضيق هرمز.
كل هذه الأمور أغرت الشاه إسماعيل لإجراء اتفاقيات وأحلاف مع البرتغاليين، وقد كان تأثير أمه "مارتا" وجدته لأمه "تيودورا" اليونانية تأثيراً واضحاً في ذلك الحلف.
وسننقل نص رسالة أرسلها "البوكيرك" إلى الشاه إسماعيل الصفوي جاء فيها:
"إني أقدر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر، أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد.
وفعلاً تم التحالف مع النصارى البرتغاليين وأقرهم الشاه إسماعيل باستيلاءهم على هرمز مقابل مساعدة الشاه على احتلال البحرين والقطيف. كما اتفق على مشروع لتقسيم المشرق العربي بأن يحتل الصفويون مصر والبرتغاليون فلسطين.
ولكن هذا الحلم لم يتحقق – ولله الحمد – والفضل بعد الله في ذلك للعثمانيين، لأن الدولة العثمانية كشفت المراسلات بين الدولة الصفية والمماليك للتآمر لاحتلال مصر، فسارعت باحتلال مصر وقضت على المماليك رغم أن هذا الفتح لمصر هو أحد أسباب تأخير السلطان سليم عن القضاء على الشاه إسماعيل ودولته، كما أن البرتغاليين سيطروا على البحر العربي والخليج العربي.
عاش الشاه إسماعيل في همدان ثم عاد إلى تبريز بعد خروج السلطان العثماني وهلك سنة (930هـ/1524م).
مستحدثات العصر الصفوي
استحدث الشاه إسماعيل بدعاً أصبحت من المسلمات عند من بعده من الشيعة، منها:
1 - السب المقترن بالاضطهاد الطائفي، فقد اتخذ من سب الخلفاء الراشدين الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، وأمر بأن يعلن السب في الشوارع والأسواق وعلى المنابر. والسب موجود عند الشيعة قديماً وفي مؤلفاتهم، ولكنه لم يعلن بصورته البشعة وعلى المنابر إلا في العهد الصفوي.
2 - تنظيم الاحتفال بذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه سنوياً، وإظهار التطبير (ضرب الرؤوس حتى التدمية بآلة حادة وسكين كبير تسمى الطبر)، وضروب الظهور بالزناجيل (وهو الجنزير) حتى الاحمرار، واللطم على الوجوه والصدور، ولبس الأسود منذ بداية شهر محرم، وتبدأ هذه الفعاليات منذ الأول من محرم إلى اليوم العاشر منه يوم (عاشوراء)، وهو يوم مقتل الحسين، ويمنع الزواج شهر المحرم، وهذا الأمر كان قد استحدث بشكل خفيف في الفترة البويهية، ولكن الشاه إسماعيل طوره بهذا الشكل مع الأشعار البكائية التي تؤثر في النفوس كدعاية للتشيّع. ومنذ سنة (907 - 930هـ) ليومنا هذا والشيعة في إيران والعراق ولبنان وباكستان يعتبرون هذا من
¥