وممن شرحه محبُّ الله الإله آبادي من رؤوس المشايخ الجشتية؛ مات سنة ثمان وخمسين وألف؛ رُمي بالإلحادِ والزندقة وكان يقول بِقِدَمِ العالم وغير ذلك من القبائح المكفرات؛ وله شرحان على الفصوص بالعربية والفارسية.
ولمعاصِرِهِ نورِ الدين محمد بن علي الحميد الرانيري كتابُ (صوارِمُ الصدِّيق لقَطْعِ الزِّنديق) في الرد عليه.
وشرحه أيضا محمد أفضل الإله آبادي المتوفى سنة (1124) في: (شرح الفصوص على وَفْقِ النصوص).
وشرحه محمد طاهر بن محمد يحيى العباسي الأفْضَلِيُّ المتوفى سنة (1143).
وشرحه كذلك نورُ الدين بن محمد صالح الإله أبادي المتوفى سنة (1155)؛ واسمُ شرحه: (الطريقُ الأَمَم شرحُ فُصُولِ الْحِكَمِ).
وممن نَهج طريقة الفصوص في التصنيف عليُّ الأصغر بنُ عبد الصمد البكريُّ القِنَّوْجِيُّ وسماه: (اللطائِفُ العَلِيَّةُ في الْمَعارِفِ الإلَهِيَّة)؛ توفي سنة (1140)؛ وله شرحٌ للفصوص وتلخيصٌ له كذلك.
وعلى كل حالٍ فهذا من الاستطرادِ الذي لا يخلو من فائدةٍ إن شاء الله، وإنما المقصودُ ومحلُّ العبرةِ في انحصارِ طرقِ الإجازةِ في طريقِ العلامةِ ولي الله المذكور؛ وما سواه فمن الزَّبد الذي يذهب جُفاءً؛ ويُبقي الله في الأرض ما ينفع الناس؛ وله الحمد.
والدهْلَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ كانَ من أوائلِ منْ دعا في هذه البلادِ إلى نَبْذِ العَصَبِيَّةِ والتقليدِ الأعْمى، على أنه بَدأ أولَ ذلكَ بالدعْوَةِ إلى ترجيحِ الفقيهِ بينَ مَذْهَبِي الشافِعِيةِ والحنَفِيةِ، ولهُ طريقَةٌ أرشدَ إليها في طَلَبِ العِلْمِ خُروجاً من رِبْقَةِ التقْليدِ أذكُرها في أصلِ الرسالةِ إن شاءَ الله.
وهذا الذي حَكَيْناهُ بيانٌ عَمَلِيٌّ لما وعد الله تعالى به من حفظ كتابِهِ وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فليكن مثل هذا من المعاني الشريفة التي تُغرسُ في نفوسِ الطلبةِ؛ وبالله التوفيق.
المَنْفَعَةُ الثانِيَةُ:
وهي (الإجازة) كذلك ذكرى للذاكرين؛ بأن حملةَ العلم هُم ورثةُ الأنبياء والرسل؛ يحملُه من كل طبقةٍ عُدُولُ أهل الإسلام؛ فهم أولى الناس دخولا في قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنينَ}.
المَنْفَعَةُ الثالِثَة:
وذلك من ثَمَّ إعلانٌ عن سِمَةٍ من سماتِ أهل الحل والعقد في الأمة؛ وأنَّهم من اتصل حبلُهم بحبل إمام المرسلين صلوات الله وسلامه عليه.
ولا يَرِدُ عليه حصولُ هذا المعنى في العالِم دونَ الإجازة؛ لأنَّ حصولَهَ حينئذٍ مع الإجازةِ من بابِ أولى؛ والإجازةُ زيادةُ توكيدٍ عليه.
ولذا فالإجازَةُ اقْتِداءٌ بِمَنْ سلف، واتِباعٌ لِهَدْي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلم، ألا تَرَى الرُّواةَ يقُولُونَ في الحديثِ القُدُسِيِّ: عنِ النبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلم فيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجل.
المَنْفَعَةُ الرابِعَة:
بل عَنْدِي أنَّ ذلكَ مِن الداخِلِ في عُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}؛ والأخْذُ: الالْتِزام، والقوَّةُ: الجِدُّ والاجِتِهاد، فاعْتَبِرْ هذا بَصَنِيعِ العُلَماءِ في بَذلِ ساعاتِ العُمُرِ في الرحْلَةِ وطلَبِ الإجازَةِ تَراهَ قدْ حازَ مِنْ مَعْنَى الآيَةِ ذُرْوَةَ السنام!.
تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ:
لكنْ يَنْبغِي أن يَتَنَبَّهَ الطالِبُ إلى أنَّ ذلكَ مُحْتاجٌ إلى سَلامَةِ النيَّةِ وحُسْنِ القَصْدِ؛ وعلى هذا مَدارُ العَمَل، أما التكَثُّرُ بِهِ مُنافَسَةً للأقْرانِ وتعالِياً عَلَيْهِمْ فَمَأْكَلَةٌ للْحسناتِ ومَجْلَبَةٌ للإثْمِ عافنا اللهُ من ذلك.
وزِدْ عَلَيْهِ أنهُ لا يُغْنِي عَنْ الجِدِّ في الطلَب، فَلَيْسَ الرسوخُ في العِلْمِ بِتَكْثيرِ الشيوخِ وحْدَه، وكم مِنْ طالِبٍ اقْتَصَرَ على شَيْخٍ أو شَيْخَينِ وفاقَ بِعُلُوِّ هِمَّتِهِ في الطلَبِ مَنْ سَمِعَ العَشراتِ مِنْهم!.
نَعْمْ؛ الجمْعُ بَيْنَ الحَسَنَتَيْنِ نِهايَةُ الغايَةُ وقَصْبُ السبْقِ، وما التوفيقُ إلا منْ عِنْدِ الله.
وللذهَبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ كلامٌ نَفِيسٌ فِي العَيْبِ عَلَى من قَصَدَ بِذلكَ العُلُوَّ والشهْرَةَ بَينَ الأقْرانِ، ذكَرَهُ في سِيَرِ الأعْلامِ، ونأتِي بهِ في غَيرِ هذا المَوْضِع.
¥