تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعَلَى الطالِبَ أنْ يَحْرِصَ على السماعِ مِنْ أعْلامِ السنَّةِ أولاً، وأنْ يَطْلُبَ عُلُوَّ الإسنادِ؛ مَعَ مُراعاةِ السماعِ مِن العُدُولِ مِن أهلِ العلم، ومُراعاةِ الشروطِ المُعْتَبَرَةِ عندَ علماءِ الفنِّ رحِمَهم الله.

أما إنْ كانَ مَقْصُودُ الطالِبِ الترَفُّعَ علَى أهْلِ البِدَعِ ودَمْغَ أباطِيلِهم ودَحْضَ حُجَجِهِمْ؛ وأنْ يَحُلَّ بِذلكَ مَحَلَّ مَنْ يَقْتَدِي الناسُ بِهِ؛ فَمَقْصَدٌ حَسَنٌ وغايَةٌ مَحْمودَةٌ، خاصَّةً مَتى عَلِمْتَ أنَّ كثِيراً مِن أهلِ البِدعِ يَتطاوَلُونَ على خُصُومِهِمْ مِن أهلِ السنَّةِ بِهذا، وكانَ أهْلُ السنَّةِ أحَقَّ بِها وأهْلَها، وقدْ ذكرَ الحافِظُ في الفَتْحِ أن جَماعَةَ من الصحابَةِ سَماهُمْ كانُوا يَقْصِدُونَ المَسْجِدَ فَيُحْسِنُونَ صلاتَهَمْ حتى يتَعَلَّمَ الناسُ مِنْهم، وطلَبُ الإجازاتِ مَعَ حُسْنِ القَصْدِ فيهِ هذا المَعْنى، وإنما الأعمالُ بالنيَّاتِ وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى.

المَنْفَعَةُ الرابِعَةُ:

والإسْنادُ من بعدُ توكيدٌ للعهدِ والميثاق الذي أخذه الله على حملة الكتاب، لَتُبَيِّنُنَّهُ للناس ولا تكتمونه؛ فعلى من كان من حلقات هذا الإسناد الذي ينتهى إلى طرفِهِ الأعْظَمِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم عن أمينِ الوحي جبريلَ عليه السلامُ عن الله عزَّ وجلَّ أن يأخذ ما آتاه الله بقوة؛ وأن يَعَضَّ على هدي ربه بالنواجذ والأضراس حذراً من أن يُؤتى الإسلام من قِبَلِهِ؛ وهل أُتِيَ الإسلام وأهلُ الإسلام إلا من حَيْثُ ضَعُفَتْ بعضُ حَلَقَاتِ سلسلةِ الطريق بِسَطْوَةِ شُبْهَةٍ أو غَلَبَةِ شهوة؟! ولا عاصمَ من أمر الله إلا من رحم؛ عصمنا الله وإياكم من كل سوء ومكروه.

المَنْفَعَةُ الخامِسَة:

والإجازة بالسند تجري مجرى الشهادة من الشيخ للتلميذ؛ فلا جَرَمَ أن عَظُمَ أمْرُها عند السلف رحمهم الله؛ حتى جعلوا للمُجازِ والمجيزِ شروطاً وضوابِطَ هي ميزانُ قِسْطٍ وعدل؛ حازَت من عناية الأئمة وبحثهم ما جعلها تُفرَدُ بالتصنيف.

المَنْفَعَةُ السادِسَة:

بل هي قائمة مقام الوصيةِ من كل حامل علم لمن يَخْلُفُه؛ وتلك سنةُ الأنبياءِ والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ كما قال تعالى: أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوبَ الموتُ ... الآية؛ إلى قوله تعالى: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ ... الآية؛ وكما صنع نبينا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم لما أوصى أمته عند موته: اللهَ اللهَ في الصلاة وما ملكت أيمانكم، وبقوله: أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وقوله: لا يبقين دينان في جزيرة العرب. وبهذا مضت سنةُ الْمُجِيزين أثابهم الله؛ أن يضمنوا الإجازات ما يدل على هذا المعنى الواردِ في وصايا الأنبياء بنوع من أنواع الدلالات الثلاث.

الفائدَةُ السابِعَة:

والإجازةُ هِدَايَةُ بيانٍ ودلالة لكل من سلك طريقاً يَلْتَمِسُ فيه علماً على الطريق الأنجح واللَّقَمِ الأفيحِ في الطلب؛ بأخذ العلم عن حملته المتأهلين؛ حذرا من ركوب السابح ثَبَجَ البحرِ قبل أن يأنس بساحله؛ ألا وإن مما يُنبِتُ الربيع ما يقتل حَبَطاً أو يُلِم.

الفائدَةُ الثامِنَة:

والإجازة أيضا عقد لأواخيِّ الإخاءِ بين حملة العلم وأئمة الدين؛ وقد رأينا سؤالها وطلبها مشافهة ومكاتبةً والرحلةَ لأجلها دأبَ الأئمة على مر العصور وكر الدهور؛ فأكرم برابطة بين مُسْلِمَيْنِ يكونان فيها رفيقي طريق إلى الله تعالى.

الفائدَةُ التاسِعَة:

وهي اكتسابٌ لخلقِ التواضع الذي يرفع به الله من يشاءُ من عباده؛ فإن طلب الإجازة لا يزال يُشْعِرُ الطالبَ بأنه ما أوتي من العلم إلا قليلا؛ وأنه مهما علِم فإنه لا يزال جاهلا؛ فلا يزالُ يَلْهَجُ لسانُهُ بقول الحق تبارك وتعالى: ربِّ زدني علما، ولذا كان في السلف من استجازَ الشيوخَ بَعْدَ الأربعين؛ ومنهم بعدَ الخمسين؛ بل ورأيتُ من اسْتَجَازَ وقد جاوزَ التسعين!، وقد قال البخاري رحمه الله: لا يكونُ المحدث محدثا حتى يرويَ عمن هو فوقه ومن هو مثله ومن هو دونه، ورُويَ نحوه عن ابن المديني رحمه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير