وقال: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (الروم:29)
وقال: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) (محمد:16)
وقال: (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) (القمر:3).
قال مالك بن أنس: قيل لرجل عند الموت: «على أي دين تموت؟» قال: على دين أبي عمارة، كأنه رجل كان يتولاه من بعض أهل الأهواء قال: فقال مالك: «يدع المشئوم دين أبي القاسم، ويموت على دين أبي عمارة» أخرجه: الدارمي في السنن (248).
وأخرج أبو داود وغيره وحسنه الألباني بسنده عن معاوية بن أبي سفيان قال: «ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال: " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وأن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة». زاد ابن يحيى وعمرو في حديثهما: «وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجاري بهم الأهواء كما يتجارى الكَلب بصاحبه»، وقال عمرو: «الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله».
قال ابن الأثيرفي النهاية في غريب الأثر (1
739):
(تَتَجارى بهم الأهْوَاء كما يَتجارى الكَلَبُ بصاحِبه) أي يَتواقَعُون في الأهواء الفاسدة ويَتَدَاعَوْن فيها تَشْبِيها بِجَرْي الفَرس. والكَلَبُ بالتحريك: داء معروف يعْرض للكَلْب فَمن عَضَّه قَتَله.
إن أصحاب الأهواء تتجارى بهم أهواؤهم من حيث لا يشعرون، أشربت بالهوى قلوبهم فلا تجعل لهم مجالاً يبصرون به الحق أو يتبعونه، فبينهم وبين الحق حجاب، يتسابقون إلى الاختلاف والابتداع من حيث لا يشعرون أنهم يذنبون.وفيه أنهم لا يزالون في سباق في خلق الشبه والاعتراضات وغير ذلك من الأهواء، فإن هذه الأهواء تحملهم على المسارعة والمسابقة إلى كل شر فلا تدع لهم مجالاً للتفكير فهم في سباق.
وأيضاً في تشبيه صاحب الكلب في اتقائه للماء كاتقاء أهل الأهواء من الكتاب والسنة.
أيضاً قليل من يرجع من أصحاب الأهواء كذلك داء الكلب لا يدع صاحبه حتى يموت أو يشفيه الله منه.
وعن أبي برزة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى. صحيح الترغيب والترهيب (52) وقال الألباني: صحيح.
وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: وأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه. صحيح الترغيب والترهيب (53).
(ب) إتباع الرأي ومجانبة السنة.
قالوا:الرأي مرج والحديث درج،أي من كان على السنة فهو على درج الوصول،أما الرأي فهو مرج يسيح المرء فيه بغير ضابط،فلا يُحَصِّلُ إلا التخبطات والأغاليط،قال سهل بن حنيف: (يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم لقد رأيتني يوم أبي جندل لو استطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته) البخاري كتاب الاعتصام (13
282).
وقال علي رضي الله عنه: (لو كان الدين بالرأي لكان المسح على باطن الخف أولى من أعلاه) أخرجه الدارمى (1/ 195، رقم 715)، وأبو داود (1/ 42، رقم 162)، والطحاوى (1/ 35)، والدارقطنى (1/ 204، رقم 4) وصححه الألباني.
ج _ تقديم العقل علي النقل.
كرم الله الإنسان وفضله بالعقل، وامتدح في كتابه ذوي الألباب والعقول المستنيرة، قال تعالى (إنما يتذكر أولوا الألباب) {الرعد:19}
وقال سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29) ولكن كثيرا من الناس لم يبقوا العقل في المكانة التي وضعه الله ـ تعالى ـ فيها، بل زلوا فيه على صنفين:
¥