وقال الشوكاني في وبل الغمام (1/ 54): وقد سوغ بعض أهل العلم العمل بالضعيف في ذلك مطلقاً، وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقاً، وهو الحق، لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام، فلا يحل أن ينسب إلى الشرع ما لم يثبت كونه شرعاً، لأن ذلك من التقول على الله بما لم يقل، وكان في فضائل الأعمال، إذ جعل العمل منسوبا إليه نسبة المدلول إلى الدليل، فلا ريب أن العامل به، وإن كان لم يفعل إلا الخير من صلاة أو صيام أو ذكر، لكنه مبتدع في ذلك الفعل من حيث اعتقاده مشروعيته بما ليس شرع، وأجر ذلك العمل لا يوازي وزر الابتداع، ولم يكن فعل ما لم يثبت مصلحة خالصة، بل معه عرضة بمفسدة هي إثم البدعة، ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح.
وقال ابن حجر في تبيين العجب (ص22): لا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو الفضائل، إذ الكل شرع. انتهى.
ك ـ الكبر:
كما قال أبو عثمان النيسابوري ـ رحمه الله ـ: «ما ترك أحد شيئاً من السنة إلا لكبر في نفسه» اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 612).
أسباب الخلاف المقبول:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " رفع الملام " (مجموع الفتاوى 20/ 240):
وجميع الأعذار ثلاثة أصناف:
أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.
والثالث اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.
وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع على أسباب متعددة:
السبب الأول أن لا يكون الحديث قد بلغه.
والسبب الثاني أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده.
السبب الثالث:اعْتِقَادُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ بِاجْتِهَادِ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مَعَهُمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ
السبب الرابع اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره.
السبب الخامس: أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده لكن نسيه، وهنا يرد في الكتاب والسنة.السبب السادس: عدم معرفته بدلالة الحديث.
السبب السابع: اعتقاده أن لا دلالة في الحديث والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، والثاني عرف جهة الدلالة لكن اعتقد أنها ليست صحيحة.
السبب الثامن: اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل عل أنها ليست مراده.
السبب التاسع: اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله إن كان قابلاً للتأويل بما يصلح أن يكون معارضاً بالاتفاق.
السبب العاشر: معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارضاً أو لا يكون في الحقيقة معارضاً راجحاً، فهذه الأسباب العشرة ظاهرة وفي كثير من الأحاديث يجوز أن يكون للعالم حجة في ترك العمل بالحديث لم نطلع نحن عليها، فإن مدارك العلم واسعة ولم نطلع نحن جميع ما في بواطن العلماء ..... انتهى مختصراً.
وجوب التخلص من الخلاف المذموم:
وذلك بدلالة الآيات والأحاديث التي توجب الاجتماع وتوحيد الصف، ولذلك أسباب:
(1) بالعودة إلى الكتاب والسنة:
قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (الشورى:10).
وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)} النساء.
(2) الالتفاف حول العلماء المنضبطين بالسنة، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} النحل.
(3) العلم الذي يزيل غياهب الجهل، ويبدد ظلمات الضلال، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} محمد:19.
¥