تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الإخوة الكرام المقري، الكناني، وأبو مجاهد:

أشكركم على ردودكم الطيبة.

أخي في الإسلام الشيخ المكرم رجب وفقه الله لمرضاته وخيراته:

أشكرك على ردك، وأهلا وسهلا بالنقد العلمي، وهذا جوابي المجمل لما تفضلتم بكتابته على حسب النقاط التي أوردتَها.

1) حول الحكم بالوضع لعلك إن تأملت كلامي مرة أخرى تجد أن حكمي بالوضع هو على التسلسل، وهو منطوق كلامي ومفهومه، وأكدتُه عند قولي إنه غير مسلسل عند من روي من طريقه، وهو الطيالسي، ولم أتطرق في شيء من كلامي للحكم على المتن.

وأما احتجاجك بكلام السخاوي فستجد عنده القول: (هذا كذب تسلسلاً ومتناً) وعليه فإن الكذب عنده على شقين، على السند وعلى المتن، فقد يجتمعان، وقد لا يجتمعان، وعليه فقد يكون شيء كذب تسلسلا لا متنا، وحكمه بالبطلان على أسانيد (لمتون صحيحة) لا ينافي وضعها، بل هو خلاف لفظي.

2) التسلسل إن ركب تركيبا معاصراً يختلف حسب المعنى: فغن أردتَ به (الاستخراج) كما أردتَ أنت ومثّلتَ فلا شيء فيه، وهذا يحصل ويستجد دائما بحسب نشاط الراوي وتوسعه وانتباهه للطائف الإسناد، وأما إن كان كما أردتُ أنا (بمعنى الوضع والكذب) فلا إخالك تخالف في منعه، كمثال: إن جاء رجل ووجد حديثا فيه: خطبنا يوم الخميس، ثم يجعل الإسناد منه إلى منتهاه مسلسلا بقول كل راوٍ: حدثني يوم الخميس، فهنا ماذا تسميه؟ ثم أَبْدِل يوم الخميس بيوم عرفة -كما فعل ابن عربي، وجدّده من بعده بقرون- هل يتغير الحكم؟ (بغض النظر عن اسم الفاعل)، طبعاً إن كان متعمداً، وأما أنا فقدّمت بعض الاعتذار بتحسين الظن، بأنه سهو أو وهم.

لاحظ أن حديثنا الذي نتكلم عليه لم يجئ التسلسل في طبقة أو ثنتين، وإنما في كل الإسناد!

3) عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود: هذا لا يقال في حديث نبوي لم يظهر عند أحد من المحدثين بهذا الشكل إلا عن واحد مطعون في نقله -ولا أتكلم هنا عن العدالة والنحلة- في القرن السابع، ثم بعد آخر في القرن الخامس عشر! وإذا تكلمت عن كتب المسلسلات، فأنا أجمع أصولها (أي من مسلسلات الطريثيثي إلى القرن العاشر) من قديم، وعندي قسم كبير من مخطوطاتها، ومنذ مدة أعمل على تحقيقها وصففت جملة منها، ومنها مسلسلات السخاوي التي قلتَ إنها عندك.

ثم بحمد الله قد قرأت من مطبوع ومخطوط كتب السنة ما يزيد على 1500 عنوان من الكبار والصغار كلها مرتين على الأقل، وكنت أقيّد ما يمر عليّ من المسلسلات بالذات لأجل استغالي بتحقيق جمهرة كتب المسلسلات، وما مرّ عليّ هذا الحديث مسلسلا مطلقاً.

وأنا هنا لا أدعي الإحاطة بجميع مصادر السنة النبوية، ولكن لا يخفاك أن الحكم على الأحاديث هو بغالب ظن المجتهد إذا بذل وسعه مع التأهل لذلك، ولا يكلف بأكثر من هذا.

4) جيد الموافقة في تحميل العهدة، ولكن إذا تأملت كلام الأئمة في الجرح والتعديل ترى أن تحميل عهدة الحديث الباطل (بمسمياته) كثيراً ما ينحى نحو الاتهام، فيبقى الخلاف في تنزيل العهدة محل الاتهام بالكذب، أو على الوهم والخطأ والغفلة كما جوّزتُ أنا من باب تحسين الظن فقط.

5) القول بالشيخ الملا رحمه الله: ليس هو لوحده، فهناك آخرون كعبد القادر كرامة الله البخاري، ولكن كلامك عن التوسع في الرواية فيه صحيح، لا في مطلق الضبط، لأن غالب مسلسلات عمر حمدان عرف فيها اعتماده على الوتري أولا، وفالح الظاهري ثانيا (وليس كل مسلسلاته)، ومن أراد أن يثبت أن المسلسل هذا كان موجودا عند المحرسي فعليه الإثبات، وعلى الأقل معرفة المصدر الذي أخذ منه، لأنه لا يوجد شيء اسمه رواية مسلسل وضبطه بالصدر والمشافهة دون كتاب من القرن الرابع عشر إلى السابع لابن عربي، فمن أين أسند هو وباقي المشايخ هذا المسلسل؟ والدفاع بإزالة العهدة لا يكون إلا بإيجاد مصدر أصيل قريب لسنده، أو متابع جيد.

وأما اتهام الفاداني بحداثة ملازمة المحرسي فليس مطرداً، بل هو نسبة لمشايخ دون آخرين، فمن لازم المحرسي في عشر الخمسين (وهو أصوب لغة من الأربعينيات أو الأربعينات) يرى من لازمه بعده حديثا، وهكذا مَن قبل ومَن بعد، فالأمر نسبي ويحتاج للتحديد، وإن كنت تقصد أن الفاداني لازم المحرسي قبل الملا فهذا أخالفك فيه، ولعلك تعلم النقاش الذي حصل فيه بيني وبين فضيلة الشيخ المكرم يحيى الغوثاني وفقه الله ورعاه.

6) هناك فروق: أولها أنني لم أخرج الحديث (أصلاً) على سبيل الاحتجاج، فليس في المتن، بل ذكرته في الهامش تنبيهاً فقط، ونصصت على ذلك، فهو كما تجد من قال: (كتبته للمعرفة)، وأكدّتُ أنه موضوع (سنداً) و (متنا)، ونقلت الكلام في بطلانه للسخاوي، على أنه مسلسل موجود حقاً ويعرفه الرواة من الحفاظ، ومع ذلك لما قرأت النوافح على شيخنا مرة بمحضر جمع من طلبة العلم لم أقرأ الحديث وتجاوزتُه لما فيه، ولأنه ليس من شرط الكتاب، وكل ذلك بخلاف مسلسل عرفة المزعوم، فهذه الفروق أخي المكرم.

7) أما المقارنة بين جزء عبد الرزاق المزعوم وبين هذا فلعلك تأملت احترازي بأنه (من بعض الأوجه)، ومنها: حداثة التركيب ومعاصرته، وأنه رُوي ورُكّب له إسناد.

ولا ينفع لفاعل ذاك ولا يشفع قولك إنه وضح ما حصل، لأنه كذاب صلف في فعله وفي اعتذاره، ولم يُخْلِ شيئا من بيانيه من جملة غير قليلة من الكذبات، ولم يتراجع عن الجزء إلى الآن، وهكذا صاحبه محمود سعيد بيانه الأخير فيه كذبات بالجملة، وسل بذلك خبيراً.

على كل حال، أخي المكرم، والله ما أردتُ أن أكتب في الأمر إلا صيانة للحديث وروايته، وتنقية لها، وكشفا للموضوع، وحبُّنا لتنقيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعز علينا من إرضاء فلان أو فلان، مهما اشتهر وعلا قدره.

والله المستعان، وعليه التكلان، وأستغفره في كل آن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير