تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[منهج ابن حجر في فتح الباري عموما]

ـ[عبد الجبار]ــــــــ[21 - 11 - 06, 03:33 م]ـ

قال أحد الأفاضل

إن الحافظ ابن حجر لم يقتصر على شرح صحيح البخاري في فتح الباري، وإنما قام بعمل تحقيق ذي منهج فريد، إذ جمع نُسَخ البخاري. هذه النسخ التي حصل على إجازة روايتها، وأثبت الفروق بين هذه النسخ، وضبط النص، ووجّه وجمع وبيّن إضافة إلى ذلك الشرح العظيم، كما أفاد من المكتبة الإسلامية ذات المصادر الأصلية، وحشد لها حشداً لم يكن في أي كتاب من الكتب، إذ بلغت المصادر التي استعان بها الحافظ ابن حجر قراية ألف وأربعة مصدر في تأليفه لهذا الكتاب القيم، والعبرة ليست بالكثرة، وإنما بنوعية هذه المصادر الأصلية واختياره للنسخ النفيسة؛ فإنه كان يختار نُسَخا ذات قيمة علمية عظيمة، ولا شك أن هذه المصادر ساعدت الحافظ ابن حجر في الحكم على الروايات وخصوصا الروايات خارج الصحيحين في ذكر المتابعات والشواهد توصل إلى فوائد عظيمة؛ لأن بعض تلك الروايات ضعيفة، ولكن في تتبعه للمصادر يجد متابعات فترتقي الرواية الضعيفة إلى الحسن، أو يجد لها شواهد.

كما يبين خفايا علم الرجال، ورواياتهم في الصحيح، ويضبط الأسماء المشكلة بالحروف، ويبين درجاتهم من حيث الجرح والتعديل، ووفياتهم أحيانا.

كما تكلم على تفسير التراجم ومناسباتها بكلام دقيق عميق، واستنباط للأحكام منها، ونبّه على براعة البخاري في ترتيب أحاديث الباب الواحد، وترتيب الأبواب كذلك، وبيّن دقة نظر البخاري في تكرار

الحديث، وفائدة إعادته.

وقرّر أن الإمام البخاري قد جمع في صحيحه بين الرواية والدراية، فيقول عن الصحيح - في معرض الرد على الكرماني على اعتراضه على البخاري في شرح بعض الكلمات الغريبة، بأن ذلك تكثير لحجم الكتاب لا لتكثير الفوائد - قال:

"وهذا الكتاب وإن كان أصل موضوعه إيراد الأحاديث الصحيحة، فإن أكثر العلماء فهموا من إيراد أقوال الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، أن مقصوده أن يكون كتابه جامعا للرواية والدراية، ومن جملة الدراية شرح غريب الحديث. وجرت عادته أن الحديث إذا وردت فيه لفظة غريبة وقعت أو أصلها أو نظيره في القرآن أن يشرح اللفظة القرآنية، فيفيد تفسير القرآن وتفسير الحديث معا".

وفي موضع آخر ينقل كلام الكرماني في اعتراضه على البخاري لإيراده بعض المباحث الفقهية، حيث يقول "وأمثال هذه المباحث غير مناسبة لوضع هذا الكتاب إذ هو خارج عن فنه". ورد عليه قائلا:

"وهو ردّ عجيب منه، لأن كتاب البخاري كما تقدم تقريره لم يقصد به إيراد الأحاديث نقلا صرفا، بل ظاهر وضعه أنه يجعل كتابا جامعا للأحكام وغيرها، وفقهه في تراجمه، فلذلك يورد فيه كثيراً الاختلافات العالي ويرجح أحيانا ويسكت أحيانا توقفا عن الجزم بالحكم، ويورد كثيراً من التفاسير ويشير فيه إلى كثير من العلل وترجيح بعض الطرق على بعض، فإذا أورد فيه شيئا من المباحث لم تستغرب، وأما رمزه إلى أن طريقة البحث ليست من فنه، فتلك شكة ظاهر عنك عارها، فللبخاري أسوة بالأئمة الذين سلك طريقهم كالشافعي وأبي ثور والحميدي وأحمد وإسحاق، فهذه طريقتهم في البحث وهي محصلة للمقصود وإن لم يعرجوا على اصطلاح المتأخرين".

ويوفق بين روايات الصحيح التي تبدو متعارضة، أو ما يبدو متعارضة بين حديث البخاري وغيره من كتب السنة، أو يرجّح ما ورد في البخاري قائلا: "وما في الصحيح أصح أو أولى" ونحو ذلك من عبارات الترجيح.

وفي شرحه لأبواب الفقه يرجع إلى أمهات كتب الفقه من المصادر الأصلية، ويبحث في الخلافات الفقهية، ويستدل للرأي الراجح، ويبين المرجوح من غير تعصب، مع الإشارة إلى احتمال المرجوح أحيانا، وله استنباطات فقهية بارعة، وبحوث قيمة نادرة. كما أنه كان يطرح أسئلة واردة على النص، ويجيب عنها بالحجة والبرهان.

ويشرح الحديث بالمكان اللائق به. ويشير إلى وجه إيراد الحديث في الباب إن كان ذلك خفيا، ويشرح ما له تعلق بذلك الباب، ويحيل إذا سبق شرحه أو على ما سيأتي.

وكان إذا حصل منه سهو ثم تنبه لذلك فإنه سرعان ما ينبه إلى ذلك ويرجع إلى الصواب، ومن أمثلة ذلك قال أثناء شرح قصة الإفك في تفسير سورة النور "وقد كنت أمليت في أوائل كتاب الوضوء أن قصة الإفك وقعت قبل نزول الحجاب وهو سهو، والصواب بعد نزول الحجاب فليصلح هناك".

ويتكلم على نكت الحديث وفوائده، كما يتكلم على مبهمات الحديث في المتن والإسناد وعلى إشكالات واردة على الحديث.

ويحكم على ما أورده من الأحاديث في الشرح صحة وضعفا. وهذا الحكم على الروايات أسعف النقاد المعاصرين وحلّ كثيراً من المشكلات والمعضلات التي تعوق النقاد في الحكم على الروايات وخصوصا حينما لم يجدوا ترجمة للراوي أو يجد أن الراوي اختلف فيه أو أن الراوي قد سكت عنه.

ويتكلم على اللغويات بأسلوب سهل واضح، وإذا كثر الخلاف في اللفظة الواحدة استوعب الآراء، وردّ المرجوح، واختار الراجح مؤيداً بالدليل، كما يستشهد بالشعر المناسب إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

ويبين من له صحبة من الرواة ممن ليس كذلك، أو في صحبته شك أو اختلاف، ويختم كل كتاب من كتب الصحيح بخاتمة يذكر فيها عدد أحاديث ذلك الكتاب المرفوعة وما في حكمها، ويبين الموصول منها والمعلق، وعدد المكرر والخالص بلا تكرار، وما وافقه مسلم على تخريجه مما لم يوافقه، وعدد ما فيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم، مع أنه ينبه على ذلك خلال الشرح.

هذا بالإضافة إلى وصل المعلقات والمتابعات، وبيان ما وصله في موضع آخر من صحيحه مما لم يوصله منها فيه، أو ما صورته معلقا أثناء الحديث، أو حديث مستقل وهو موصول، أو ما صورته مرسل وهو موصول، ويبين ما كان من مرسلات الصحابة.

أما من حيث الأسلوب فهو يشرح الحديث بأسلوب بديع، ويردّ أوهام بعض شرّاح البخاري.

هذا مجمل لمزايا ومنهج ابن حجر في فتح الباري وطريقته في شرحه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير