[الغربة والاغتراب]
ـ[أم الليث]ــــــــ[31 - 01 - 07, 07:23 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قال الله تعالى:" فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممّن أنجينا منهم " (هود 116)
- الغرباء في العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية و هم الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه و سلم في قوله: بدأ الإسلام غريبا و سيعود غريبا فطوبى للغرباء "، قيل: و من الغرباء يا رسول الله؟ قال: " الذين يُصلحون إذا فسد الناس "، و في رواية: " الذين يزيدون إذا نقص الناس" معناه الذين يزيدون خيرا و إيمانا و تقى إذا نقص الناس من ذلك، و في رواية ": إنّ الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء "، قيل: و من الغرباء يا رسول الله؟ قال:"النزاع من القبائل" قال البغوي: حديث صحيح، و معناه: المهاجرون الذين هاجروا أوطانهم في الله
و في حديث عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم و نحن عنده:" طوبى للغرباء"، قيل: و من الغرباء يا رسول الله؟ قال: "ناس صالحون قليل في ناس كثير من يعصيهم أكثر ممّن يطيعهم" (صحيح)
- الداعون إلى السنة الصابرون على أذى المخالفين هم أشدّ الناس غربة
- الغربة ثلاثة أنواع:
1) غربة أهل الله و أهل سنة رسوله صلى الله عليه و سلم بين هذا الخلق و هي الغربة الممدوحة و هذه الغربة لا وحشة على صاحبها و من هؤلاء الغرباء من ذكرهم أنس في حديثه عن النبي صلى الله عليه و سلم: " رُبّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يٌؤبه له لو أقسم على الله لأبرّه "، قال الحسن:" المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها و لا ينافس في عزّها، للناس حال و له حال، الناس منه في راحة، و هو من نفسه في تعب "
و من صفات هؤلاء الغرباء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه و سلم التمسك بالسنة إذا رغب عن الناس و ترك ما أحدثوه و إن كان هو المعروف عندهم و تجريد التوحيد و إن أنكر ذلك أكثر الناس و ترك الانتساب إلى أحد غير الله و رسوله، لا شيخ و لا طريقة و لا مذهب و لا طائفة بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية و إلى رسوله بالإتباع لما جاء به وحده و هؤلاء هم القابضون على الجمر حقا، و أكثر الناس لائم لهم، فلغربتهم بين الخلق يعدونهم أهل شذوذ و بدعة و مفارقة للسواد الأعظم
-كيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين و سبعين فرقة؟؟
- قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ": مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا و هوى متبعا و دنيا مؤثرة و إعجاب كل ذي رأي برأيه و رأيت أمرا لا يدلك به، فعليك بخاصة نفسك، و إياك و عوامهم، فإنّ وراءكم صبرٌ الصابر فيهن كالقابض على الجمر (صحيح)
- جعل للمسلم الصادق في هذا الوقت إذا تمسك بدينه أجر خمسين من الصحابة
- في سنن الترمذي و أبي داود من حديث أبي ثعلبة الخُشني قال: سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية:" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم " فقال:" بل ائتمروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا و هوى متبعا و دنيا مؤثرة و إعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك و دع عنك العوام فإنّ من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبضٍِِ على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله "، قلت: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال:"بل أجر خمسين منكم " (حديث صحيح)
2) النوع الثاني من الغربة: غربة مذمومة و هي غربة أهل الباطل:رغم كثرتهم فهم يُعرفون في أهل الأرض و يخون على أهل السماء
3) النوع الثالث: غربة مشتركة: لا تحمد و لا تذم و هي الغربة عن الوطن فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء إذ ليست مستقر لأحد
قال النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمر: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "
- الاغتراب على ثلاث درجات:
1) الاغتراب عن الأوطان: و يقاس له في قبره من مدفنه إلى وطنه:
عن عبد الله بن عمرو قال: توفي رجل بالمدينة - ممن ولد بالمدينة - فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال: يا ليته مات في غير مولده، فقال رجل: و لم يا رسول الله؟ فقال: إن الرجل إذا مات في غير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة، صححه ابن حبان و حسنه الألباني
2) غربة الحال: و هذا من الغرباء الذين طوبى لهم و هو رجل صالح في زمان فاسد بين قوم فاسدين أو عالم بين قوم جاهلين أو صديق بين قوم منافقين
3) غربة الهمة: و هي غربة طلب الحق و هي غربة العارف، و غربة العارف هي غربة الغربة لأنه غريب الدنيا و الآخرة و هذه الدرجة أعلى مما قبلها: لأن الأولى غربة بالأبدان، و الثانية: غربة بالأفعال و بالأحوال، و الثالثة غربة بالهمم، فهو غريب في أبناء الآخرة فضلا عن أبناء الدنيا
* من كتاب " الغربة و الاغتراب" لابن القيم بتحقيق علي حسن عبد الحميد
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
¥