فالمعلِّم في الدورات يهتم بعرض المتن بإيضاح عبارته، وبيان مقصودِ المؤلفِ مع الاستدلالِ عليها والمرورِ على ذلك سريعًا بلا إخلال.
وهذا يحتاج إلى دُرْبَةٍ، وعلمٍ حاضرٍ في كلِّ الفنِّ، وتحضيرٍ قليلٍ.
كما أن المعلِّم عليه أن يسلك طريقَ التسهيل في إلقاء المعلومات، مع طَرْحِ الفوائدِ؛ لأنّ طلبة العلم لا يستمرون إذا لم يجدوا الفوائد العلمية.
ومن متطلبات المعلِّم أن يكون متمكنًا في المادة العلمية، وأن تكونَ ملكتُه قابلةً، ولغتُه قريبةً واضحةً.
وأن يكون مبتعدًا عن التقعُّرِ في الكلام، والتشدُّقِ.
ولا ينبغي أن يقاطعَ الطلابُ المعِّلمَ بأسئلةٍ تُخِلُّ بالتسجيل.
وفائدةُ الموجودين تتحققُ بشرح الدروس وحفظها.
وفائدةُ غير الموجودين تتحقق بسماع الدروس المسجَّلة على أشرطةٍ، كشرح كتاب التوحيد لإمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وشرحِ الواسطية، وتفسير القرآن لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -.
وشرح الشيخ محمدِ بنِ إبراهيمَ – رحمه الله -، وشرح سماحة الشيخ عبدِ العزيز بنِ باز – رحمه الله ورَفَعَ درجته في الجنة وألحقه بالصدِّيقين -، وكذلك شروحُ عددٍ من مشايخنا كالشيخ ابنِ عثيمين – رحمه الله -، والشيخ صالحٍ الفوزانِ – حفظه الله -، وهذه الدروس مسجلة.
لذا على المعلِّم أن يَتَنَبَّهَ إلى أن دروسَه محفوظةٌ، وربما سيستفاد منها بعدَ مئة عام.
فإذا كان الجميعُ منصتًا واعيًا كان المعلِّم أنشطَ في إلقاء العلم لهذا كان "سفيانُ" و "مالكٌ" – رحمهما الله – وغيرُهما من أهل العلم يقول:
كنا إذا نَشِطْنَا أسندنا يعني: الحديث، وإذا كَسِلْنَا أرسلْنا، يعني: من دون ذكر إسناد.
إذًا ذلك راجعٌ إلى الوضعِ النفسي للمعلِّم.
كما أنه راجعٌ إلى المُتَلَقِّي.
فحركةُ الطالبِ واستعدادُه وتلقيه وحسنُ إنصاته، وحسنُ كتابته يُنَشِّطُ المعلِّمَ لطرحِ الفوائدِ العلميةِ.
وسلاحُ الطالبِ القلمُ والورقُ.
والمهمُّ أن يتعاون المعلِّم والطالبُ في إنجاح الدروس المسجَّلة وخُصِّصَتْ هذه الدوراتُ العلميةُ للمتوسطين من الطلاب.
فالمعلِّمُ يستعملُ أسلوبًا في بيانه لا يرتفعُ عنه الحاذقُ، ولا يتقاصَرُ عنه الريِّضُ المبتدِئُ، بل يكونُ أسلوبُه بينَ بينَ.
وهذه صفة الربانِيِّينَ من العلماءِ فيما وَصَفَهُمُ اللهُ – جلَّ وعلا – بقوله:
قال تعالى:? مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ? ().
والله – جلَّ وعلا – وَصَفَ الربانيَّ من أهل العلم بأنه الذي يتعلَّمُ ويُدَرِّسُ، أما الذي يتعلّم ويستغني عن التدريس فهذا ليس من الربانِيِّينَ.
قال "أبو عبدِ اللهِ البخاريُّ":
(الربانيُّ هو الذي يُعلِّمُ الناسَ صغار العلم قبل كباره) يعني: بحسب الحاجة.
والنبيُّ ? أُوتي جوامعَ الكلمِ، فإن كان الكلامُ مختصرًا مفيدًا فَهِمَهُ العاميُّ والذكيُّ والبليدُ والحاضرُ والبادي ...
فالمعلِّم يفيد طلابه المتوسطينَ التعريفاتِ والضوابطَ والقواعدَ.
ويتجنب المعلِّمُ في الدورات الأساليبَ الإنشائية (يعني: الوصفية) والاستطرادات في الوصف.
لأن الطالبَ يريد أن يكتب مباشرة الضوابطَ والتقاسيم، كأنْ يقولَ المُعلِّم: ضابطُ الشركِ الأكبرِ كذا، وضابطُ الشركِ الأصغرِ كذا.
وما الفرقُ بين الشركِ الأصغرِ والخفيِّ؟
وكأنْ يقولَ مثلاً: تنقسم هذه المسألةُ إلى أربعةِ أقسامٍ .. وغير ذلك.
وهذا هو الذي يبقى مع الطالب، وهو الذي يفتح له ما اسْتُغْلِقَ من العلمِ.
وأما الأساليبُ الإنشائية فيأخذها الطالبُ من القراءةِ، ولكنَّ المفيدَ هو الفروقُ الدقيقة، والمُعلِّمُ يفتح للطالبِ في الدوراتِ الآفاق الواسعةَ.
هذا فائدةُ التلقي من الشيخ، ولولا الفوائدُ والفروقُ في المسائل المتشَابهةِ لما كانت هناك مزيةٌ لهذه الدروس. بل يستوي ذلك مع أخذِ الطالبِ العِلمَ من الكُتُبِ من دون مُعَلِّمٍ.
وقد تجد بعضَ كتبِ المتقدمين في الفقه والعقيدة يعرضُ الأنواعَ بطريقةِ العطف بالواو أو بأو.
كقولهم: الماءُ طاهرٌ، وطَهُورٌ، ونجسٌ، ومشكوكٌ فيه.
وكقولهم: الشرك أكبرُ، وأصغرُ، وخفيٌّ.
¥