دخلت عليه في بيته في إحدى المرات كعادتي أحب مجالسته لحسن أدبه, وجميل أخلاقه, ولنصائحه النافعة, فتحادثنا معًا, وتجاذبنا أطراف الحديث, وضحكنا, وتعرضنا لأمور عدة.
وفي آخر المطاف سألته:
حبيبي فلان .. أريد أن أسألك وأتناقش معك في أمر مهم يتطلب علي إيراده كونك أخٍ في الله, ولا أخفيك كنت أبحث عن هذه الفرصة منذ مدة لأتناقش معك فيها, فأرجو أن يتسع صدرك لي .. ؟
فقال لي: تفضل.
قلت له: إلى متى وأنت هكذا على وضعك هذا .. ؟!
لا عمل ولا مال لك , ليلك ونهارك في هذه الغرفة فقط , تقرأ وتقرأ وتقرأ!
أنا لا أعترض على القراءة فالقراءة وطلب العلم الشرعي كنز عظيم مَن فتح الله له فيه فقد أفلح إن شاء الله.
لكن يا أخي هنالك حقوق لنفسك أرى أنك قد هضمتها ولم تبالي بها؟
انزل يا أخي وغير هذا الروتين قليلا حتى تنتعش حياتك, تحرك وابحث لك عن حل لإقامتك, لزواجك, لشراء سيارة لك, لإكمال دراستك في الجامعة ... ,
نظر صاحبنا هذا فوجد أن حديثي معه صحيحًا فبدأ يتحرك ويسعى ويأخذ بالأسباب
ومع هذا فقد أصبح مواظبًا على الدعاء.
فأغلب مواطن ومواضع الأوقات التي يجاب فيها الدعاء كنت أجده فيها متوجهًا للقبلة رافع كفيه وفي وسطهما الكتيب الأخضر الصغير المبارك (الدعاء من الكتاب والسنة) للشيخ سعيد بن وهف القحطاني الذي عُرف بـ[الفقير إلى الله تعالى] كما يسميه بعض العامة.
ومرت فترة وصاحبنا هذا هكذا لا يفارق هذا الكتيب الصغير جيبه الأمامي وفي كل وقت مبارك يستجاب فيه الدعاء يرفعه ويدعو منه:
-- بين الأذان والإقامة
-- في رمضان
-- وهو معتكف بالمدينة
-- وفي دبر الصلوات المكتوبات
-- وفي يوم الجمعة
-- وفي طوافه بالكعبة المشرفة .. وغير ذلك.
ومرت فترة وهو هكذا على هذا الحال وقد تتجاوز السنة.
فكنت أرى أنه يُفرج عنه شيئا فشيئا ويفتح الله عليه ويغدق عليه من فضله ورحمته وكرمه!
ومازلت أرى عناية الله له ورعايته حتى جدد أخانا هذا إقامته , واشتغل في وظيفة مرموقة.
ثم فتح الله عليه في تجارة صغيرة أكرمه الله بها بمبلغ جيد يكفيه زواجه فاستأجر منزلا جميلا وأسسه أساسًا جيدًا.
ثم بحث عن فتاة ورغب إلى الله في أن يكرمه بزوجة حسنة صالحة طيبة وألح وطلب ودعا , فلطف به الرحمن الكريم المنان الرحيم وزوجه بفتاة قرة عينه بها حتى أني وأنا أحمل وأنقل معه بعض حاجات بيته الجديد وجدت بين الصناديق صندوقًا فيه كتبًا علمية مفيدة ومن ضمنها كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - رحمهما الله تعالى -[طبعات دار عالم الفوائد] فاستغربت من وجودها فأنا أعرف مكتبته ليس بها هذه الكتب وحالته لا تستدعي أن يشتري كتبًا لأن ماله الذي في حوزته المفترض أن يسخره لإتمام زواجه.
فسألته: ما شاء الله يا فلان مبروك عليك هالكنز الثمين.
فقال لي: هذا ليس لي إنه لامرأتي!
فدهشت من عطية الله له وصدق من قال: (إن الله إذا أعطى أدهش).
فقد كان أخانا هذا يتمنى فتاة دينة من بيت صالح طيب فأعطاه الله ما أراد وزاده أنها طالبة علم متميزة كما حدثني.
ثم التحق بقسم الدراسات العليا بدار الحديث بمكة ورغم أنه بجدة , وأنه منتسب , وانشغاله في تحصيل رزقه , إلا أنه بحول الله وقوته كان يأتي بامتياز بدرجات عالية , و السادس , أو الخامس على الدار , لا يتعدى هذه المستويات.
وها هو اليوم في السنة الثالثة عالي في الدار.
ثم أكرمه الله واشترى سيارة مؤخرا جميلة مناسبة له .. إلى غير ذلك من المنن الربانية التي يمن الله بها عليه في كل يوم .. وتغير حاله من حال إلى حال ,
فتيقنت بعد هذا كله أن الدعاء سلاح معطل , ما أجدنا استخدامه, وفرطنا فيه رغم تعلمنا لآدابه , ولأوقات إجابته, فقد كنت أنا الناصح بالأقوال وهو الناصح بالأفعال!.
فندمت على تفريطي في هذا الجانب واسترجعت وقررت أن لا أدع الدعاء أبدًا إن شاء الله ...
ولازال صاحبنا هذا نسأل الله أن يبارك له وعليه إلى آخر لحظة متمسك بكتابه الأخضر يدعو به ... نسأل الملك من فضله
ـ[المسيطير]ــــــــ[31 - 07 - 09, 05:38 م]ـ
قال الشيخ / بكر أبوزيد رحمه الله تعالى في كتابه: (تصحيح الدعاء) ص61:
" مسكين من تكاسل عن الدعاء، فقد سَدَّ على نفسه أبواباً كثيرة من الخير والعطاء، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخلهم من بخل بالسلام " رواه أبويعلى والطبراني وابن حبان من طريق أبي يعلى. ورواه عبدالغني المقدسي في: الدعاء.
وفي لفظ: " إن أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء ".
---
الأخ الكريم ابن الكرام / أبازارع المدني
جزاك الله خير الجزاء، وأجزله، وأتمه، وأوفاه، وأعلاه ... وأقر الله عينك بما تحب ... ومن تحب.
¥