تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخي الكريم اسأل نفسك هل أنت مخلص؟ ((ضابط الإخلاص لله الواحد القهّار))

ـ[أبو وائل غندر]ــــــــ[08 - 04 - 09, 07:22 م]ـ

إخلاص الدّين لله

حقيقة الإخلاص كما يعرّفها أهل العلم بالتوحيد، و أهل المعرفة بالرقائق: أن يبتغي المرء بأعماله الصالحة وجه الله عزّ وجلّ لا غير كما قال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ*أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر 2ـ3] وقال جلّ في علاه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} [الزمر 11] ويتأكدّ هذا المطلب في حقّ أهل العلم وطلاّبه، الذين أكرمهم الله بشيء من معرفته، وخصّهم بمزيد عنايته، عن طريق ما وفّقهم إليه من الوقوف عليه من أسمائه وصفاته وأفعاله، وآياته الكونية والشرعية، فهم الأسوة، وبهم تكون القدوة.

ولقد حاولت أن أصل إلى ضابط، وإلى صورة أجسّد فيها حقيقة الإخلاص، فاقتبست من كلام بعض السلف رحمهم الله في حقيقة الاستغفار ضابطا لحقيقة الإخلاص، حيث قال: من كان يرى في نفسه استغفاراً فاستغفاره يحتاج إلى استغفار، وهكذا الإخلاص، فمن كان يرى في نفسه إخلاصاً فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص.

إذن: فحقيقة الإخلاص أن يبقى المسلم في صراع مع نفسه، يتّهمها بضده إلى أن يلفظ آخر أنفاسه من هذه الدنيا (1)، وهو يخشى على نفسه أن يكون قد أشرك مع الله غيره في قصده وإرادته، ومصداق ذلك قول الحقّ تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون 60]

وهاك أخي القارئ الكريم صورة حيّة لأحد أسلاف هذه الأمّة الأخيار، وعلمائها الأبرار، وهو يجسّد لنا حقيقة الإخلاص في لحظة يا لها من لحظة، إذ تمثّل له الشيطان وهو يعالج سكرات الموت على هيئة رجل وهو يعضّ على أنامله ويقول له: فُتّني يا فلان فُتّني يا فلان، يريد بذلك أن يدخل عليه داء العجب والغرور، حتّى يوقعه في حباله في آخر لحظة من حياته، و الإمام يقول: لا بَعْدُ لا بَعْدُ حتّى أموت، أي: لا آمن على نفسي ما دامت الرّوح لم تبلغ الحلقوم، الله أكبر، ذالكم هو إمام الدنيا، إمام أهل السنة، وشيخ الحنيفية السمحة، شيخ الإسلام حقا، وأمير المؤمنين في الحديث صدقا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت241هـ) (2) رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه، يخشى على نفسه في تلك اللحظات الحرجة العصيبة أن تزلّ به قدمه و يتعثّر به لسانه، وأحدنا لا يفتأ يمدح نفسه بطريقة أو بأخرى، إمّا بلسان المقال أو بلسان الحال، وإمّا بتنقّصه للغير، عفا الله عن الجميع بمنّه وكرمه.

ولقائل أن يقول: وما علاقة الإخلاص بموضوع الرسالة؟ وأهل العلم لم يفتؤوا يذكّروا أنفسهم و غيرهم من عباد الله بإخلاص العبادة لله عزّ وجلّ.

فأقول: إنّما أعني بالإخلاص ذاك الذي يدعو صاحبه للعمل لهذا الدين ليلا نهارا، سرّا جهارا، الإخلاص الذي يؤتي أكله كلّ حين بإذن ربّه كما قال سبحانه:

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم 24 ـ 25] صاحبه لا يرضى بالدون، ولا يقنع بالقليل، يعيش للإسلام، وينام للإسلام، يحي للإسلام، ويموت للإسلام، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام 162]

صاحب الإخلاص المتوقّد يرى أنّه من المتحتّم عليه شرعا أن يرقى بهذه الأمّة إلى مجدها المأمول، وعزّها المنشود، وليس هذا فحسب، بل لابدّ أن يكون هو سببا في ذلك (3)، فلا يهدأ له بال ولا يقرّ له قرار، همّه الدّين وفكره الدّين، تراه جَذِلا مسرورا، إن بلغه عن أمّته وعن إخوانه المسلمين ما تقرّ به العين، وتستبشر له النفس، وينشرح له الصدر من فتح، أو نصر، أو تمكين، أو مصلحة دينية، أو دنيوية، في مشارق الأرض ومغاربها، كئيبا حزينا مذعورا، إن بلغه عنهم ما تغتمّ له النفس، ويضيق له الصدر، وتدمع له العين، من هزيمة، أو كارثة، أو مصيبة دينية، أو دنيوية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير