إن أبنية المساجد أذن الله في رفعها وبارك فيها، فهي ميمونةٌ - مباركةٌ - ميمونٌ أهلها، محفوظةٌ محفوظٌ أهلها، فعندما يكونون في صلاتهم يكون الله عزَّ وجل في حوائجهم، وعندما يكونون في مساجدهم يكون الله عزَّ وجل من ورائهم، فحينما تقتطع وقتاً من وقتك الثمين للمجيء إلى المسجد و سماع درس علّم أو أداء صلاة أو ذكرٍ لله عزَّ وجل، فإن ثمن هذا الوقت الذي اقتطعته من وقتك أن الله عز وجل يكون في حاجتك بينما أنت في المسجد، فأنت في المسجد والله من ورائك بالتوفيق والتأييد والنصر والحفظ، فالمساجد المخصوصة لله عزَّ وجل، و العبادة فيها تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض، فأنت عندما تنظر من الأرض إلى السماء ترى النجوم متألقة، وإن هذه المساجد كأنها نجوم الأرض تضيء لأهل السماء، فالمساجد فيها الحق، و فيها الذكر والأمر بالخير والنهي عن الشر و التعريف بالحلال و الحرام، و فيها الطريق الموصل إلى الله عزَّ وجل وهو طريق سعادة الدنيا والآخرة، لذلك كانت المساجد تتألق لأهل السماء كما تتألق النجوم لأهل الأرض، لكن أدق ما في هذين الحديثين هو قوله عليه الصلاة والسلام: هم في مساجدهم والله في حوائجهم ..
وقد قال عليه السلام:
" من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين".
قال الله عزَّ وجل:
(سورة الفرقان: آية " 63 ")
يمشون هوناً؛ أي: لا يسمحون للدنيا أن تستهلكهم، فهم يقتطعون من أوقاتهم وقتاً لمعرفة الله و لطلب العلم وأداء العبادات، فهم يمشون هوناً لأن الدنيا لا تستهلكهم، ولا تستحوذ عليهم، و لا تجعلهم ينسون كلَّ شيء، فإن من تشعَّبت به الهموم لم يبال الله بأي أوديتها هلك، أما من كان همُّه معرفة الله و جعل همه هماً واحداً كفاه الله الهموم كلّها، فاعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الهموم كلها، فإنك عندما تأتي إلى بيت الله لتطلب العلّم و القرب من الله عزَّ وجل فإن الله عز وجل يعاملك معاملةً خاصة عندئذ، فيعاملك بالنصر والتأييد والحفظ والتوفيق، إذاً:
(سورة الجن: آية " 1 ")
وقل أوحي إليَّ أيضاً ...
أي: إن هذا المسجد إنما بُنِي لتعريف الناس بالله و تعريفهم بحقيقة وجودهم، وحقيقة الحياة الدنيا، وحقيقة الكون، فيقرِّبهم إلى الله عزَّ وجل.
فاستخدام هذا المكان للبيع والشراء و قضايا الدنيا و حل مشكلات الناس المادية هو استخفافٌ بهذا البيت المقدس.
معاني كلمة (مسجد):
قال تعالى:
1. المعنى الأول: (وهو أوسع معنى):
إن كلمة مساجد واسعةٌ جداً، فكل مكانٍ سجدت فيه لله عزَّ وجل هو مسجد، فإذا وسعنا كلمة المسجد صار معنى المسجد: كل مكان سجدت لله عزَّ وجل، فالمسجد اسم مكان، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: " أينما كنتم فصلوا، فأينما صليتم فهو مسجد " فبهذا المعنى وجب عليك أن تكون خالصاً لله في كل مكان، و هذا أوسع معنى للآية.
(سورة الجن: آية " 18 ")
أي: ليكن عملك دائماً وأبداً، خالصاً لله عزَّ وجل، قال تعالى:
(سورة الإنسان)
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر:
" وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً "*
(من صحيح البخاري:الرقم " 323 ")
فالمسلم أينما أدركته وقت الصلاة صلَّى، وهذا مما يؤكد أن هذا الدين العظيم بسيط، فأنت لا تحتاج إلى معابد فخمة ولا إلى أبنية شاهقة، ولا إلى كهنوت ولا إلى رجال دين، فأينما وجدت نفسك قد دخلت في وقت الصلاة فصلِّ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
" أينما ما كنتم فصلوا، وأينما صليتم فهو مسجد " وقال: " وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ".
فأوسع معنى للآية يقول: ليكن عملك خالصاً لله طول حياتك، لأن أي مكان تصلي فيه مسجد، والسجود لله وحده.
2 - المعنى الثاني:
¥