تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المساجد: جمع مَسْجَد، والمسجد هو الأعضاء التي تسجد بها، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: " إذا سجد العبد، سجد معه سبعة آراب "، و الآراب: الأعضاء؛ أي: الرأس، والركبتين، واليدين، والقدمين، فهي سبعة، فيصبح معنى الآية: إن الله عز وجل قد كرمك بأعضاء، فلا ينبغي لك أن تسجد بها لغير الله، فهذا الرأس لا ينبغي له أن ينحني لغير الله، و هذه اليد لا ينبغي أن تخضع لغير الله، هذه الرجل ينبغي ألا تسير بها إلى غير ما يرضي الله، لأن هذه الأعضاء التي كرَّمك الله بها هي لله، وأنت لله، فلا يليق بك أن تكون لغير الله، كما لا يليق بك أن تذِل رأسك لغير الله، (ارفع رأسك يا أخي متى موَّت علينا ديننا؟).

3 - المعنى الثالث:

المساجد: مصدر ميمي (مَسْجِد)، على وزن (مَفْعِل)، أي: مكان السجود، فالصلاة هي العبادة الخالصة لله عزَّ وجل، وينبغي أن تكون عباداتك كلها وفي مقدمتها الصلاة خالصةً لله عزَّ وجل، كما ينبغي أن تكون أعضاؤك التي كرَّمك الله بها خاضعة لله وحده في استعمالاتها كلها كعطاء اليدين وتنقُّل الرجلين، فلا تخضع لأحدٍ سواه.

4 - المعنى الرابع:

إن المعنى المألوف للمساجد هو هذه البيوت التي يبنيها المسلمون ليؤدوا فيها الصلوات و يتعلموا فيها و يلتقوا فيها بإخوانهم المؤمنين، وإن خير البلاد مساجدها، فهذا المسجد بالمعنى الضيِّق الذي نألفه هو لله، فإذا اعتلى إنسان منبراً في المسجد فلا ينبغي له أن يعرض آراءه الشخصية - فمن أنت حتى تفعل ذلك؟ - كما لا ينبغي له أن يتشفى من خصومه وهو على هذا المنبر، لأن هذا المنبر منبر رسول الله، و كرسي التدريس هذا كرسي رسول الله صلى الله عليه، فلا يسمح لأحد أن يتخذ المنبر والكرسي لتحقيق أغراضٍ الشخصية ولا للنيل من الخصوم، فينبغي عليك أن تنحي كلَّ نزواتك وأهوائك و مصالحك، وأن تجعل الدعوة لله وحده، لئلا يشوبها شائبة، قال تعالى:

أي: هناك أهواء و آراء و مصالح و انتماءات و علاقات و قضايا، و هذه كلُّها ممنوعٌ أن تُعالج في المسجد، لأن هذا البيت بيت الله، فالموضوع الذي ينبغي أن يعالج فيه فقط هو ذكر الله وما والاه، فالقرآن من ذكر الله، و السنة من ذكر الله، و السيرة من ذكر الله، و الفقه من ذكر الله، فكل شيءٍ يقربك من الله عزَّ وجل يمكن أن يعالج في المسجد، كما أن كلُّ شيءٍ يقربك من الدنيا يعالج خارج المسجد، لأن الجامع مُقَرِّب إلى الله، أما الأسواق والبيوت والمتنزهات والمقاصف فهي مقربة من الدنيا ..

المسلون في المسجد سواسية:

أيها الإخوة الكرام ... قال العلماء: إن في كلمة المساجد لله إضافة تشريفٍ وتكريم، لكن هذا لا يمنع أن ينسب المسجد إلى غير الله، فلا حرج في قولنا: هذا جامع الفاروق مثلاً، أو جامع الوليد بن عبد الملك، وهذا لا يمنع من كون المساجد لله، فلا يمنع من أن تنسب إلى الباني أو منفق أو مشرف، أما في الأصل فهي لله عزَّ وجل، لذلك وجب على الإنسان حينما يأتي إلى المسجد يجب أن يخلع الدنيا خارج المسجد، مهما كانت مرتبته الاجتماعية أو حجمه المالي، أو درجته العلمية أو رتبته العسكرية، فإن كل شيء متعلِّق بالدنيا يجب أن يبقى خارج المسجد، وهذا شيء دقيق جداً، فالناس يتفاوتون خارج المسجد، ففيهم المدير العام، وفيهم الحاجب، لكن حكمة الله عزَّ وجل شاءت أن يكون هذا التفاوت في مراتب الدنيا متلاشياً المسجد.

يروى أن أحد الخلفاء كان في المسجد الحرام _ وأظنه أنه الإمام مالك إمام دار الهجرة _ فطلب منه بعض العلماء أن يزوره، فقال له: قولوا له يا هارون إن العلم يؤتى ولا يأتي، قال: صدق، نحن نأتيه، ثم قال: قولوا له: إذا جئتنا فلا ينبغي أن تتخطى رقاب الناس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير