فعلينا هنا أن نوسع الموضوع، فلو كان هناك الإنسان يكذب ثم دخل المسجد فإن له ريحاً منتنة يتأذَّى منها الملك، فالأكمل لك ألا تدخل بيت الله إلا وأنت منيبٌ إلى الله، وطاهر داخلاً وخارجاً، قلباً وقالباً، سراً وعلانيةً ..
(سورة الشعراء)
يقول عليه الصلاة والسلام:
" إن هذه المساجد إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ".
إنما: أداة قصر، أي: لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، فلذلك كان على الإنسان أن يحتاط كثيراً و أن يتأدب كثيراً لأن الله تعالى قال:
(سورة الحج)
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول أيضاً:
" إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ".
فقد سمع سيدنا عمر رضي الله عنه صوت رجل في المسجد فقال: ما هذا الصوت؟ ثم قال لصاحب الصوت: أتدري من أين أنت؟ وقد كان خلف ابن أيوب جالساً في مسجده، فأتاه غلامه يسأله عن شيءٍ فقام وخرج من المسجد وأجابه خارج المسجد .. أرأيتم إلى هذا الأدب؟ إنه من شدة ورع السلف الصالح، أنهم كانوا لا يجيبون عن سؤال دنيوي إلا خارج المسجد، فالمساجد إنما هي التسبيح والذكر وقراءة القرآن.
لقد كَرِه العلماء -أيها الإخوة- البيع والشراء في المسجد؛ كأن تبيع بضاعة في المسجد فتساوم عليها، حتى إن بعض التابعين قال: (يا أبناء الأفاعي، أتخذتم مساجد الله أسواقاً؟؟ هذا سوق الآخرة) أي: يباع فيه بضاعة الآخرة، وهي معرفة الله عزَّ وجل.
و ورد أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" مَنْ سَمِعَ رَجُلا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا " *
(من صحيح مسلم عن أبي هريرة)
فتحقيق مصالح شخصية في المسجد من بيع و شراء، أو حل مشكلة ما يكون خارج المسجد، لأن هذه المساجد لم تبن لهذا.
وآخر شيء أود ذكره هو أن السلف الصالح والعلماء كرهوا رفع الصوت في المسجد، فخفض الصوت في المسجد من السنة، فإذا انتهى الدرس كان من الأولى أن يكون الصوت خفيضاً وذلك أدباً مع الله عزَّ وجل، فالإنسان دائماً يتأدَّب مع صاحب البيت، و كلما كان صاحب البيت عظيماً تأدب معه الإنسان أكثر، كانت هذه بعض الأحاديث المتعلقة بالمساجد التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
تلخيص معاني كلمة (مسجد):
إن الآية الكريمة تقول:
1 - المعنى الأول: إن المساجد هي مكان السجود، وإن أي أرضٍ تصلي فيها هي الله، فيجب أن تكون مخلصاً لله في كل شؤون حياتك، وفي كل أحوالك وحركاتك وسكناتك.
2 - المعنى الثاني: إن هذه الأعضاء (المساجد) التي تسجد بها لله ينبغي ألا تُخْضعها لغير الله، فلا تحنِ رأسك لغير الله، ولا تمد يدك ليدٍ مشبوهة، ولا تسر برجلك إلى معصية.
3 - المعنى الثالث: المساجد: (مصدر ميمي) وتعني:الصلوات، و الصلوات تكون لله وحده.
4 - المعنى الرابع: المسجد هو البيت الذي بني لأداء الصلوات، وإن هذا البيت بني لتعريف الناس بالله، فلا ينبغي لك أن تطرح فيه نظرية أرضية، ولا دعوة لإنسان أو جهة، أو فئة أو جماعة، فالمساجد لكل المسلمين، وفيها تتحقق المساواة بينهم، فإذا كنت خارج المسجد فقد يكون لك مرتبة علمية، أو مكانة معينة، أو وظيفة مرموقة، أو حجم مالي كبير، أما إذا دخلت إلى بيت الله فأنت واحدٌ من المسلمين، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً، فقد نجد أحياناً إنساناً يشعر بعزَّته في المسجد فيقول: أنا مقامي كمقام أغنى إنسان! أو كمقام أقوى إنسان! فالمسجد يوحِّد بين المسلمين، بينما تفرِّق الدنيا بينهم.
أيها الإخوة الكرام ...
(سورة الجن: آية " 1 ")
وأنه ..
فإذا أتيح للإنسان أن يتكلَّم في مسجد، أو أن يخطب في مسجد فليعلم علم اليقين أن هذا المنبر منبر رسول الله، وأن هذا الكرسي كرسي رسول الله، فلا يجوز له أن ينطق بأهوائه، ولا أن يروِّج أفكاره، ولا أن ينال من خصومه، لأن هذا المنبر لله عزَّ وجل، فينبغي أن تنطق فيه بالحق، وأن تضع تحت قدمك كل مصالحك و أهوائك ..
والحمد لله رب العالمين
...
¥