تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن المعنى المألوف للمساجد هو هذه البيوت التي يبنيها المسلمون ليؤدوا فيها الصلوات و يتعلموا فيها و يلتقوا فيها بإخوانهم المؤمنين، وإن خير البلاد مساجدها، فهذا المسجد بالمعنى الضيِّق الذي نألفه هو لله، فإذا اعتلى إنسان منبراً في المسجد فلا ينبغي له أن يعرض آراءه الشخصية - فمن أنت حتى تفعل ذلك؟ - كما لا ينبغي له أن يتشفى من خصومه وهو على هذا المنبر، لأن هذا المنبر منبر رسول الله، و كرسي التدريس هذا كرسي رسول الله صلى الله عليه، فلا يسمح لأحد أن يتخذ المنبر والكرسي لتحقيق أغراضٍ الشخصية ولا للنيل من الخصوم، فينبغي عليك أن تنحي كلَّ نزواتك وأهوائك و مصالحك، وأن تجعل الدعوة لله وحده، لئلا يشوبها شائبة، قال تعالى:

أي: هناك أهواء و آراء و مصالح و انتماءات و علاقات و قضايا، و هذه كلُّها ممنوعٌ أن تُعالج في المسجد، لأن هذا البيت بيت الله، فالموضوع الذي ينبغي أن يعالج فيه فقط هو ذكر الله وما والاه، فالقرآن من ذكر الله، و السنة من ذكر الله، و السيرة من ذكر الله، و الفقه من ذكر الله، فكل شيءٍ يقربك من الله عزَّ وجل يمكن أن يعالج في المسجد، كما أن كلُّ شيءٍ يقربك من الدنيا يعالج خارج المسجد، لأن الجامع مُقَرِّب إلى الله، أما الأسواق والبيوت والمتنزهات والمقاصف فهي مقربة من الدنيا ..

المسلون في المسجد سواسية:

أيها الإخوة الكرام ... قال العلماء: إن في كلمة المساجد لله إضافة تشريفٍ وتكريم، لكن هذا لا يمنع أن ينسب المسجد إلى غير الله، فلا حرج في قولنا: هذا جامع الفاروق مثلاً، أو جامع الوليد بن عبد الملك، وهذا لا يمنع من كون المساجد لله، فلا يمنع من أن تنسب إلى الباني أو منفق أو مشرف، أما في الأصل فهي لله عزَّ وجل، لذلك وجب على الإنسان حينما يأتي إلى المسجد يجب أن يخلع الدنيا خارج المسجد، مهما كانت مرتبته الاجتماعية أو حجمه المالي، أو درجته العلمية أو رتبته العسكرية، فإن كل شيء متعلِّق بالدنيا يجب أن يبقى خارج المسجد، وهذا شيء دقيق جداً، فالناس يتفاوتون خارج المسجد، ففيهم المدير العام، وفيهم الحاجب، لكن حكمة الله عزَّ وجل شاءت أن يكون هذا التفاوت في مراتب الدنيا متلاشياً المسجد.

يروى أن أحد الخلفاء كان في المسجد الحرام _ وأظنه أنه الإمام مالك إمام دار الهجرة _ فطلب منه بعض العلماء أن يزوره، فقال له: قولوا له يا هارون إن العلم يؤتى ولا يأتي، قال: صدق، نحن نأتيه، ثم قال: قولوا له: إذا جئتنا فلا ينبغي أن تتخطى رقاب الناس.

فأنت في المسجد مسلم فقط، لا يوجد لك رتبة عسكرية، ولا رتبة علمية كالدكتوراه مثلاً، ولا رتبة اجتماعية كعضوية غرفة التجارة، بل أنت في المسجد مسلم، فيجب أن تجلس حذاء أخيك المسلم دون أي تفرقة، فلا يجوز لك في المسجد تخطي رقاب الناس، أما إذا كنت في احتفال أو في دائرة فقد تمتلك مرتبة خاصة، فالمدير العام له غرفة خاصة كما له طاولة خاصة و مقعد خاص، أما الموظفون الآخرون فلهم غرفهم الخاصة، و المستوى فيها أقل، فالمراتب في الدنيا تتفاوت، أما في المساجد فكل المسلمين عند الله سواء، فهم سواسيةٌ كأسنان المشط، فالمساجد لله، والذين فيها عبادٌ من عباد الله.

إن الإنسان في المسجد الحرام مثلاً لا يمكن أن يخطر في باله أنه في السعودية أبداً، فلا يذكر إلا أنه في بيتٍ من بيوت الله، في داخل المسجد الحرام، فلا تشعر أنك في بلد، لأن هذا بيت الله، وكذلك حال أي إنسان يدخل إلى بيت من بيوت الله في أي مكان من العالم فنراه ينسى في أية دولة هو، لأنه في بيت من بيوت الله، و تقريباً لهذا المعنى أقول: يعد بناء السفارة في العرف الدُبلوماسي جزءاً من البلد التي تمثِّلُه، وهذا المسجد هو بيت الله، فهو يعدُّ جزءاً من مقدسات المسلمين، فالمسجد لا يُمَلَّك أبداً، فليس في الإسلام إنسان يملك مسجداً، فمن الممنوع أن تبني فوقه، و بحسب الأحكام الفقهية يمنع أن يكون تحته شيء، فهي أرضٌ حرة لا شيء تحتها ولا شيء فوقها، لأنه بيتٌ من بيوت الله.

قال تعالى ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير