من المظاهر الخاصَّة التي تميَّز بها أهل الجزائر في عقدهم لحلقات تلاوة أحاديث البخاري أنَّهم كانوا يفتتحون قراءته في يوم الأحد من الأسبوع الأوَّل من شهر رجب، ويختمونه في ليلة القدر من شهر رمضان المعظَّم.
وكانوا يجزِّؤون الكتاب على عشرة أجزاء معلومة يقرؤون في كلَّ أسبوع جزءًا مخصوصاً.
وكانوا يختارون أندى النَّاس صوتاً، وأجهرهم وأفصحهم قراءة لقراءته.
وكانوا يرتِّلونه على طريقة قراءة المصحف الشَّريف.
6) ختمة البخاري:
من الاحتفالات التي كانت تزدهي بها بعض المدن الجزائرية، الاحتفال بيوم ختم البخاري يوم ليلة القدر، فكان لهذا اليوم عند أسلافنا طابعه الخاص ونكهته الخاصَّة به، وهي أنَّه كان يجتمع فيه أعيان البلد وعلماؤه وحكَّامه وعامَّة الشَّعب في المسجد، وكان الأطفال يستقبلون الوفود ويرشُّونهم بماء الورد بالمرش المعروف عندنا بالجزائر، ويحيون ليلهم بالصَّلاة والذِّكر ويختتم المجلس بدعاء خاص: "اللهمَّ صلِّي أفضل صلاة على أشرف مخلوقاتك، سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلِّم، عدد معلوماتك، ومداد كلماتك، كلَّما ذكرك وذكره الذَّاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون".
وفي اليوم الموالي يفتتح مجلس الختم بعد صلاة الصُّبح بقراءة القرآن، وقراءة ترجمة الإمام البخاري، وبيان فضل كتابه الصَّحيح.
ثمَّ يقوم عالمٌ من أعيان العلماء بقراءة آخر الأحاديث من هذا الكتاب، وهو: "كلمتان حبيبتان إلى الرَّحمن، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، ويسترسل في شرحه وذكر الأحكام المتعلِّقة به، فيعيد الجميع ذكر هذا التَّسبيح مائة مرَّة، ويختم المجلس بالدُّعاء المعهود: "الحمد لله حمد معترِف بذنبه ... الخ"، ويُرشُّ الحاضرون بماء الورد كذلك، وتوزَّع الحلويات بكلِّ أنواعها على الحاضرين، ثمَّ ينصرف الجميع إلى حاجته.
هذه بعض مظاهر هذا الحفل الذي كانت مدن الجزائر تعيشه في مثل هذا اليوم، والذي حاول بعض القائمين على إدارة الشُّؤون الدِّينية بالجزائر أن يعيدوا تجسيده وتحقيقه من غير أن يعدُّوا له عدَّته الخاصَّة به.
7) قراءته في النَّوازل:
ومن تقاليد أهل الجزائر أنَّهم كانوا إذا أصابتهم المحن والبلايا في الأنفس والأموال والأولاد فإنَّهم كانوا يلجؤون إلى عقد مجالس لختم البخاري، ومَن سبر الأخبار، فقد كان الحكَّام يلزمون العلماء في حروبهم أن يعقدوا حلقات تتلى فيها أحاديث (البخاري) ليلا ونهارا، ويختم الكتاب بدعاء بالنَّصر للمسلمين، وكان الطَّلبة الذين يقرؤونه يسمَّون بـ: (جيش البخاري)، كما أنَّهم كانوا يقرؤونه عند حلول الطَّعون والأمراض الوبائية التي تأتي على الأخضر واليابس، وهو عندهم من باب التَّوسُّل بالأعمال الصَّالحة.
8) وفي زاوية الهامل:
ولعلَّ آخر مَن أدركناهم ممَّن لا يزال على هذا العهد الشَّيخ أبو الأنوار الهاملي (قيِّم مكتبة زاوية الهامل)، فقد أخبرنا ابنه بأنَّ والده لجأ في العدوان الأخير على (غزَّة) إلى عقد مجالس في قراءة البخاري، ومن محاسن الصُّدف أن صادف أوَّل يوم لقراءته إعلان وقف العدوان.
9) بعض المظاهر الخرافية:
أ) سيدنا الخضر (عليه السَّلام) يروي صحيح البخاري (!)
لعلَّ مِن القضايا التي تسترعي انتباه المتتبِّع لقصَّة هذا الكتاب عندنا بالجزائر اعتقادُ كثير مِن علماء العصور المتأخِّرة بأنَّ الخضر صاحب موسى (عليهما السلام) ما يزال على قيد الحياة، وأنَّه أدرك الإمام البخاري وروى عنه (كتابه الصَّحيح)، رغم أنَّ هذا الإمام هو مِن أشدِّ العلماء إنكاراً على مَن يقول ببقاء الخضر (عليه السلام) على قيد الحياة، وكأنَّ الذي أدرج الخضر ضمن رواة هذا الكتاب أراد إفحام الإمام البخاري وإقناعه بأنَّ رأيه مخطئ، ولا أدلَّ على ذلك مِن رواية الخضر عنه (!)، والشَّيء الذي يثير العجب في هذه القضية أنَّ الخضر (عليه السَّلام) لم يروِ الكتب السِّتة وإنَّما اقتصر فقط على الرِّواية عن الإمام البخاري (!)، فهو طبعا الخصم الذي ينبغي توجيه السِّهام نحو رأيه ومذهبه.
ب) القاضي شمهروش وقصَّته مع الكتاب:
¥