تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن حُسن الحظوظ، عندي وعندهم، أنّ شجرات الكبّاد الأربع في حديقتي ما تزال تحمل ويتزايد عطاؤها، مع أنّ لكلّ منهنّ من العمر ما يزيد على الخمسين من الأعوام الميلادية. هل تتطلّب هذه ”المعلومة“ منّي تصحيحًا لما ورد في كتب الزراعة من قول لـ”أبي حنيفة الدِّينَوَري“ (من أهل القرن الثالث للهجرة، التاسع الميلادي، صاحب ”كتاب النبات“ الشهير): «أخبرني بعض الأعراب بأنّ شجرة (الأُتْرُجّ) تبقى عشرين سنة تحمل» ... وأتفاءل فأقول: وقد تظلّ تحمل عندي حتى المئة!

• منافع الكبّاد:

اهتمّ الأوائل بالأُتْرُجّ-الكبّاد، فاستَوْفَوا وصفَه وبيانَ أنواعه (ما هو على شاكلته من النّارِنْج والليمون، ولم يكن ”البرتقال“ قد ظهر!)، وتحدّثوا عن منافعه الغذائية، وتوقّفوا طويلاً عند منافعه علاجًا: قشرته، وقد سمَّوها ”لحم الأُتْرُجّة“، وعصارة لبّه، وقد سمَّوها ”الشحم“ وأيضا ”الحُمّاض“، وزهره، وورقه، ووصفوا ذلك دواءً لأمراضٍ وأدواء عدّدوها.

ذكروا ما كان سَبَق إليه ”ديسقوريدس“، من أنّ في شراب الأُترجّ قوةً تُضادُّ السُّموم، وأنه مُسْهِلٌ للبطن، وأنه قد يُتَمَضمض بعُصارته تطييبًا لرائحة الفم، وقد «تشتهيه النساء الحوامل، الشهوةَ الخارجة عن الطبيعة، العارضةَ لهنّ في الحَبَل»، وإذا وُضعت الأُترجّة صحيحةً طيَّ الثياب حفظتْها من التآكل. http://albahethon.com/photo/17.JPG

وفي قشره، قال الطبيب الإغريقي ”جالينوس“ (من أهل القرن الثاني الميلادي)، إنّ اليسير منه يُقَوّي المعدة، وأنّ ماءه يُخلَط مع ما يُشرب من الأدوية المُسْهلة.

وقد أضاف إلى ذلك الأطبّاء والعشّابون العرب كثيرًا -بالمعاينة والتجربة- أنّ قشره يُسَكِّن الغََثَيان والخفقان، وإذا أُلقي شيءٌ منه في الخمير صار حامضًا سريعا، وأنّ ورقه -بسبب عطريّته مع حَرَافةٍ بيِّنة- ينفع مثل قشره، ويُوَسِّع الأنفاس.

وفي لبّه، شحمه، قالوا إنه يزيد في شهوة الطعام، ويقطع القيء، ويُذهِب الثَّمَل. وينفع عصيرُه من ”الكَلَف“ إذا طُلي عليه، واستدلّوا على ذلك «من فعله في الحِبْر إذا وقع على الثياب، فإنه إذا طُلي عليه ذهب به».

ويُحلِّل بزرُه الأورام، ويُقوّي اللِثَة بفضل مرارته، و «ينفع من سمّ العقرب إذا شُرب منه، أو ضُمِّد من موضع النَّهْشة».

وقال ابن سينا (المتوفّى سنة 428هـ/ 1037م، في كتابه ”القانون في الطبّ“): حُمّاض الأُترجّ نافعٌ من اليَرَقان، يُكتحَل به فيُزيل يرقان العين، وأضاف عجيبًا: إنّ «عُصارته تُسكِّن غُلمةَ النساء»!

• .. وزهره؟

تحدّث الأوائل والأواخر عن الأُترجّ، قشرًا وحُمّاضًا وبزرًا، وعن ثمرته صحيحةً، ولكنهم لم يتطرّقوا إلى زهره بسوى ما يتّصف به من زكاء رائحة، عدا كتاب ”حديقة الأزهار في ماهيّة العُشب والعَقّار“ (للأندلسيّ الغساني الشهير بالوزير، المتوفّى في مدينة فاس 1019هـ/ 1611م)، الذي قال عن زهر الناّرِنْج (شقيق الأُترجّ): «له زهرٌ عَطِر الرائحة، تُعَطَّر منه المياه -كمياه الورد- يُسمّى ”ماء زهر“»!

• مُستَطِبٌ بالكبّاد من ”حيّ العفيف“:

اتّفق لي، وأنا أُعِدّ هذه المقالة (في منتصف آذار 2010)، أن طُرق باب بيتي في ساعة ظهيرة. وعَبر ”الانترفون“ عرفت أنّ الطارق يلتمس منّي، وهو وراء الباب ... كبّادتَين اثنتين، لأسباب وصفها بـ”الطبية“.

ثمّ عرّفني بنفسه: يسكن في ”حيّ العفيف“، فوق، وقد دلّوه في الحارة عليّ بصفتي صاحب حديقةٍ ما زال على أشجارها كبّادٌ من الموسم الماضي يُطِلّ على الشارع.

صدِّقوني أنّ الفرحة التي تجلّت في محيّاه لحظة تسلّم الكبادتَين، لا يُضاهيها إلاّ سعادتي بأني قدّمت لهذا الرجل، الذي أتعرّف عليه في لحظتي، شيئًا من حديقتي نافعا طِبّيًّا، وقد ظللت أُقدّم الكبّاد للأصدقاء ليصنعوا منه المربّى! أمرٌ واحد أسفت عليه: أني لم أستوضحه عن ماهيّة المعالجة وطريقة الاستفادة!

• ”نزار“ يتغنّى على أبواب ”الحمراء“ بكبّاد الشام:

وأزعم أنّ لي، مع الكبّاد، طرائفَ ومُلَحًا. http://albahethon.com/photo/18.JPG

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير