تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولذلك فالحكام العرب اليوم هم مجرد ولاة وخدم ينفذون الأوامر بمجرد الإشارة ولا حاجة للتصريح، وهم لا يفكرون بشعوبهم، ولا يعيشون معهم، ولا يهمهم إن كنت هذه الشعوب جائعة أم جاهلة أم مُضطهدة، أو لها مستقبل أو لها تاريخ، لأن الهم الأكبر بالنسبة للحكام المتخاذلين - وأرى أن هذه الكلمة قليلة بحقهم لأنهم، لم يكونوا في أي يوم حريصين على مصالحها ومستقبلها - الهم الأكبر هو الحفاظ على الكرسي والكراسي الوريثة، له ولذريته ولحاشيته وزبانيته المقربين.

ولذلك تجد أن الإبداع الوحيد في بلادنا العربية والذي يتميز به الحكام العرب عن بقية حكام العالم هو قدراتهم الفائقة في اختراع وسائل الكبت والتعذيب والترويع والاستبداد والتجهيل، ولو كانت هناك جوائز تُعطى لمثل هذا اللون من الإبداع فأعتقد أن حكامنا هم أحق الناس به.

ولا شك أن من لوازم هذه التميز هو قدراتهم النادرة على الخداع والتضليل والكذب، فيعكسون الصورة الجهنمية الحقيقية لهم إلى صورة فردوسية مزيفة، إنها في الحقيقة وصية مكيافللي لتلاميذه النخلصين، "" يجب على الحاكم أن يكون ماكراً مكر الذئب، ضارياً ضراوة الأسد،غادراً غدر الثعلب، وأن يتعلم كيف يبتعد عن الطيبة والخير، وأن يرتكب الشر والفظائع أحياناً-، ويقترف الإساءات ويسير على مبدأ " فرق تسد "، من أجل المحافظة على سلطانه "". ([1]) ويضيف الأستاذ مكيافللي "" ولكن على الحاكم في نفس الوقت أن يُخفي هذه الصفات المرذولة، ويكون دَعِيّاً ماهراً ومرائياً كبيراً وأن يحسن التظاهر بالأوصاف الحميدة والتدين الشديد "" ([2]).

ولذلك نجد الحكام يحضرون المناسبات الدينية وإلى جوارهم أصحاب العمامات السلطانية يسبحون بحمدهم ويباركون جهودهم، ويدعمون جبروتهم، إن فلسفة مكيافللي وكتابه الأمير قد وجد صداه في حكامنا " الميامين " فقد حفظوه عن ظهر قلب، لأنه كتابهم المقدس، وقد نفذوا تعاليمه بإحكام وأمانة.

(6)

ومن هنا فالحديث الدائر منذ زمن عن مشروعية الخروج على الحكام، وهل هم كفرة أم مسلمين أم منافقين أم شياطين أم سعادين؟! لا أرى أنه سار في الطريق الصحيح، لأن حكامنا يجب الخروج عليهم حتى لو أقاموا الصلاة وأدو الزكاة وحجوا إلى بيت الله الحرام، لأن هذه المظاهر الدينية لا تشكل خطراً على مصالحهم، ولا مصالح أسيادهم، بل لعلها تعزز أهدافهم وغاياتهم حين تتحول إلى شكليات وحركات خالية من المضامين الجوهرية.

إن الحكام العملاء والمتآمرين على واقع الأمة ومستقبلها يجب الخروج عليهم، ورفع السيف في وجوههم، لأنهم خانوا أمتهم، وسرقوا خيراتها، ونهبوا ثرواتها، ودمروا شعوبهم،، وحطموا مبدعيها، وكبحوا طموحاتها، وانحازو إلى أعدائها وتعاونوا معهم في القتل والتجويع والتجهيل والقمع والاضطهاد، لكي تظل الأمة ضعيفة خانعة مُستذَلّة لا تجد أي نافذة للنهوض والتقدم.

وكم هم مخطئون أولئك الذين يستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أُمِّ المؤمنين أم سلمة هند بنت أَبي أمية حذيفة رضي الله عنها، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه قَالَ: ((إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ)) قَالوا: يَا رَسُول اللهِ، ألا نُقَاتِلهم؟ قَالَ: ((لا، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصَّلاةَ)) رواه مسلم.

لأن إقامة الصلاة تعني: شيوع العدالة، والأمانة والوحدة، والاعتصام بحبل الله المتين، والنهي عن الفحشاء والمنكر، وتعزيز الأخلاق الفاضلة، وكبح المفسدين، وصدّ المعتدين، وحراسة الثغور، وحماية البلاد، وتوثيق عرى الإيمان، وعمارة الأرض بالخير، والعقل بالعلم، والمجتمع بالفضيلة، وليس المقصود بإقامة الصلاة هو شكلها الظاهر، وحركاتها الرياضية، فهذه يفعلها المانفقون وغيرهم ما دام ذلك يعود عليهم ببعض المكاسب والمصالح، وقد يسأل هنا سائل أو يعترض معترض بأن السياق في نص الحديث يُفهم منه أن طاعة الحكام واجبة حتى وإن كانوا ظلمة وعصاة وفساقاً وغير ذلك، وقد يستدل المعترض لذلك بحديث " "" تسمع و تطيع للأمير فإن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع "" شعب الإيمان - البيهقي - (ج 6 / ص 62). فأقول هنا لكل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير