فلما أصبح الرجل الذي رأى هذه الرؤيا أخبر بها القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه فأرسله إلى المكان، ولما أرسله إلى المكان وجد الأمر كما قال ثابت ـ فسبحان الله العظيم ـ ما الذي أعلم ثابتاً وهو ميت، لكن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فأخذ الدرع.
كما أن ثابتاً رضي الله عنه أوصى بوصية بعد موته، وأُبلغت أبا بكر رضي الله عنه فنفذ الوصية، قالوا: و لا يوجد أحد نفذت وصيته التي أوصى بها بعد موته إلا ثابت بن قيس رضي الله عنه، لكن يشكل على هذا كيف نعتبر الرؤيا في تنفيذ الوصية؟
والجواب: أنه إذا دلت القرائن على صدق الرؤيا نُفذت الوصية ولا حرج.
ولقد حدثني رجل أثق به يقول: إنه مات أبوه وكان قد استأجر البيت الذي تركه بعد موته لمدة كذا سنة، فلما مات أتى أهل البيت الذين يملكون رقبة البيت وقالوا للورثة: اخرجوا عن البيت، البيت بيتنا، فقالوا: لن نخرج، بين مورثنا وبينكم عقد لم ينته بعد، فقالوا: بل انتهى العقد، ففزع الورثة من هذه الدعوى وضاقت بهم الأرض، يقول: فلما كان ذات ليلة رأيت في المنام أن أبي أطل علينا من فرجة المجلس وقال لهم: العقد في أول صفحة من الدفتر لكنه لاصق في جلدة الدفتر، فلما أصبح وفتح أول صفحة وجد العقد.
سبحان الله، فالله تعالى قد يخبر بعض الموتى ببعض ما يحصل على أهله، لكن هذه مسائل ليست لكل أحد. ص37 ـ 39.
9 ـ من مسائل الأسماء والصفات التي حصل فيها خلاف معنى حديث: (أن الله خلق آدم على صورته) وضجوا وارتفعت أصواتهم وكثرت مناقشاتهم، كيف خلق آدم على صورته؟
فحرفه قوم تحريفاً مشيناً مستكرهاً، وقالوا: معنى الحديث: خلق الله آدم على صورته أي على صورة آدم ـ الله المستعان ـ هل يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر أن يريد بالضمير ضمير المخلوق، بمعنى خلق آدم على صورته أي صورة آدم؟ لا يمكن هذا، لأن كل مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لا فضل لآدم على غيره، فهذا هراء لا معنى له، أتدرون لم قالوا هذا التأويل المستكره المشين؟
قالوا: لأنك لو قلت إنها صورة الرب عزوجل لمثلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقة له، وهذا تمثيل.
وجوابنا على هذا أن نقول: لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله، لكن ليس كمثل الله شيء.
فإن قال قائل: اضربوا لنا مثلاً نقتنع به، أن الشيء يكون على صورة الشيء وليس مماثلاً له؟
فالجواب أن نقول: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول زُمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أضوء كوكب في السماء).
فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجهه أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه، فإن قلت بالأول فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أفواه، وإن قلت بالثاني: زال الإشكال وثبت أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فالمهم أن باب الصفات باب عظيم، وخطره جسيم، ولا يمكن أن ينفك الإنسان من الورطات والهلكات التي يقع فيها إلا باتباع السلف الصالح، أثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه وانف ما نفي الله عن نفسه، فتستريح.
هل تبحث في أمر يكون البحث فيه تعمقاً وتنطعاً؟
الجواب: لا تبحث.
على كل حال هذا المقام مقام عظيم، لكني أحذركم أن تتعمقوا في باب الأسماء والصفات، وأن تسألوا عما لاحاجة لكم به.
يقول بعض الناس: الله تعالى له أصابع، ويقول المحرفون: ليس له أصابع، والمراد بقوله: (إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن) كمال السيطرة والتدبير، سبحان الله، أأنتم أعلم أم رسول الله؟ نفوا الأصابع لظنهم أن إثباتها يستلزم التمثيل، فمثلوا أولاً وعطلوا ثانياً، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل.
وجاء آخرون فقالوا: قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وأمسك المسواك بين أصابعه وقال: بين أصبعين من أصابع الرحمن. (قطع الله هاتين الأصبعين) فهل يحل هذا؟
الجواب: لا يحل، أولاً: هل تعلم أن أصابع الله تعالى خمسة: إبهام وسبابة ووسطى وبنصر وخنصر؟ لا تعلم.
ثانياً: هل تعلم أن كون القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، بين الإبهام والسبابة، أو بين الإبهام والوسطى، أو بين الإبهام والبنصر، أم بين الإبهام والخنصر؟ كيف تقول على الله ما لاتعلم أم على الله يفترون، فمثل هذا يستحق أن يؤدب لأنه قال على الله ما لا يعلم.
فقالوا: أليس النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (وكان الله سمعياً بصيراً) وضع إبهامه وسبابته على العين والأذن.
نقول: بلى، لكن أنت لست رسولاً حتى تفعل هذا، ثم المقصود من وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أصبعيه تحقيق السمع والبصر فقط.
وأكرر أن باب الصفات باب عظيم، احذر أن تزل، فتحت رجلك هوة، والأمر صعب جداً.
احذروا باب الصفات أن تخوضوا في شيء لم يتكلم فيه السلف الصالح.
يقول بعض العلماء: من لم يسعه ما وسع الصحابة والتابعين فلا وسع الله عليه. ص45 ـ 49.
¥