تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال رحمه الله: (أما من كان مظهرا للفسق مع ما فيه من الإيمان؛ كأهل الكبائر، فهؤلاء لابد أن يصلي عليهم بعض المسلمين، ومن امتنع من الصلاة على أحد منهم زجرا لأمثاله عن مثل ما فعله – كما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على قاتل نفسه، وعلى الغال، وعلى المدين الذي لا وفاء له، وكما كان كثير من السلف يمتنعون من الصلاة على أهل البدع – كان عمله بهذه السنة حسنا). < مجموع الفتاوى (24/ 286) >

المقصد الثالث: الهجر لمصلحة المهجور (صاحب المخالفة) فيشرع هجر أصحاب المخالفات من أهل البدع والمعاصي إن كان في هجرهم مصلحة لهم بالرجوع عن المخالفة والتوبة منها.

ويدل على هذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك وصاحبيه حتى تابوا وندموا على ما هو ثابت في الصحيحين من حديث كعب بن مالك. < أخرجه البخاري برقم (6255)، ومسلم برقم (2769) >

وشواهد ذلك كثيرة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك هدي السلف المقتدين به في ذلك في هجر بعض المخالفين زجرا لهم وتأديبا.

وهذا النوع من الهجر، وهو الهجر لمصلحة المخالف مع كونه مشروعا من حيث الأصل إلا أنه لابد من مراعاة الضوابط المتعلقة بتحقيقه وتنزيله على المعينين من أصحاب المخالفات، وهو ما سيتم بيانه في الفقرة التالية.

سابعا: ينبغي للناظر في هجر المخالف للمقصد الثالث من مقاصد الهجر (وهو هجر المخالف لمصلحته وإصلاحه) مراعاة الضوابط الشرعية التي نص عليها الأئمة المحققون في هذا الباب، والتي من خلالها يتبين على وجه الدقة من يشرع هجره ممن لا يشرع هجره من المخالفين.

ومن هذه الضوابط:

1 - ما يتعلق بالهاجر: وهو أن يكون قويا مؤثرا بحيث يؤثر هجره في زجر المخالف، أما إن كان ضعيفا فإن هجره لا يؤدي الغرض، وهذا إذا كان المقصود من الهجر هو تأديب المخالف، أما إن كان القصد هو النظر لمصلحة الهاجر بحيث يخشى عليه الضرر في دينه من مخالطة المخالف فله أن يهجر كل من يتضرر بمجالسته ومخالطته، كما تقدم تقرير ذلك.

2 - ما يتعلق بالمهجور: وهو أن ينتفع بالهجر بحيث يؤثر فيه في الرجوع إلى الحق، أما إذا كان لا ينتفع به بل قد يزيده بعدا وعنادا فلا يشرع هجره، وهذا يرجع إما إلى ما جبل عليه بعض الناس من القوة والشدة وعدم الخضوع ولو كان في ذلك هلاكه، فمثل هذا لا ينتفع بالعقوبة والهجر وإنما قد ينتفع بالتأليف واللين، وقد يكون المؤثر في عدم انتفاع بعض الناس بالهجر بعض المؤثرات الخارجية كأن يكون صاحب رئاسة أو مال أو جاه، فمثل هؤلاء لا ينتفعون بالهجر في الغالب، لما يعتقدون من استغنائهم عن الهاجر إذا ما هجرهم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف السادة المطاعين في أقوامهم و أهل الجاه؛ كأبي سفيان، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس وأمثالهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم) < مجموع الفتاوى (28/ 206) >

3 - ما يتعلق بنوع المخالفة: فليس هناك نوع من المخالفات يمكن أن يقال: يهجر عليها في كل حال، أو لا يهجر عليها في كل حال، كما يظن البعض أنه يهجر على البدع دون المعاصي، أو على البدع المكفرة دون غيرها، أو على الكبائر دون الصغائر، بل يشرع الهجر على كل مخالفة ولو كانت صغيرة، إذا كان المخالف ممن يشرع هجره وينتفع بذلك، فمدار النظر في هذه المسألة على انتفاع المخالف بالهجر من عدمه دون النظر في حجم مخالفته.

وبناء على هذا؛ فقد يهجر الرجل الفاضل صاحب السنة على مخالفة يسيرة كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه على بعض المخالفات اليسيرة، كتركه صلى الله عليه وسلم رد السلام على عمار بن ياسر رضي الله عنه حين تخلق بالزعفران. < أخرجه أبو داود في سننه (4601)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود >.

وتركه رد السلام على صاحب القبة حتى هدمها. < أخرجه أبو داود (5237)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود >.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير