تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضا، وعنها نافرا منفرا، فالله له أشد بغضا، وعنه أعظم اعراضا، وله أكبر مقتا، حتى تعود القلوب الى قلبين: قلب ذكر الأسماء والصفات قوته وحياته ونعيمه وقرة عينه، لو فارقه ذكرها ومحبتها لحظة لاستغاث، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فلسان حاله يقول:

يراد من القلب نسيانكم ××× وتأبى الطباع على الناقل

ويقول:

وإذا تقاضيت الفؤاد تناسيا ××× ألفيت أحشائي بذاك شحاحا

ويقول:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم ××× فنترك الذكر أحيانا فننتكس

ومن المحال أن يذكر القلب من هو محارب لصفاته نافر عن سماعها معرض بكليّته عنها زاعم أن السلامة في ذلك. كلا والله ان هو الا الجهالة والخذلان، والاعراض عن العزيز الرحيم، فليس القلب الصحيح قط الى شيء أشوق منه الى معرفة ربه تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه، ولا افرح بشيء قط كفرحه بذلك وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يضرب على قلبه سرادق الاعراض عنها والنفرة والتنفير والاشتغال بما لو كان حقا لم ينفع الا بعد معرفة الله والايمان به وبصفاته وأسمائه.

والقلب الثاني قلب مضروب بسياط الجهالة، فهو عن معرفة ربه ومحبته مصدود، وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أنزلت عليه مسدود، قد قمش شبها من الكلام الباطل وارتوى من ماء آجن غير طائل تعج منه آيات الصفات وأحاديثها الى الله عجيجا، وتضج منه الى منزلها ضجيجا بما يسومها تحريفا وتعطيلا ويؤول معانيها تغييرا وتبديلا، وقد أعد لدفعها أنواعا من العدد وهيأ لردها ضروبا من القوانين وإذا دعي الى تحكيمها أبى واستكبر وقال: تلك أدلة لفظية لا تفيد شيئا من اليقين، قد أعد التأويل جنة يتترس بها من مواقع سهام السنة والقرآن وجعل اثبات صفات ذي الجلال تجسيما وتشبيها يصد به القلوب عن طريق العلم والايمان، مزجي البضاعة من العلم النافع الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء ولكنه مليء بالشكوك والشبه، والجدال والمراء، خلع عليه كلام الباطل خلعه الجهل والتجهيل، فهو يتعثر باذيال التفكير لأهل الحديث، والتبديع لهم والتضليل، قد طاف على أبواب الآراء والمذاهب يتكفف أربابها، فانثنى بأخسر المواهب والمطالب، عدل عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية المراد وغاية الاحسان، فابتلى بالوقوف على الأبواب السافلة الملآنة بالخيبة والحرمان، وقد لبس جلة منسوجة من الجهل والتقليد والشبهة والعناد، فإذا بذلت له النصيحة ودعي الى الحق أخذته العزة بالاثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد.

فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الايمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان الى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر الله في السور المكية حيث لا جهاد باليد انذارا وتعذيرا، فقال تعالى: {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} الفرقان 52.

وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} التحريم 9.

فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصومين بالهداية والتوفيق والاتفاق، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يرى عساكر الايمان وجنود السنة والقرآن وقد لبسوا للحرب لأمته، وأعدوا له عدته، وأخذوا مصافهم ووقفوا مواقفهم، وقد حمي الوطيس ودارت رحى الحرب واشتد القتال وتنادت الأقران النزال النزال، وهو في الملجأ والمغارات، والمدخل مع الخوالف كمين وإذا ساعد القدر وعزم على الخروج قعد فوق التل مع الناظرين، ينظر لمن الدائرة ليكون اليهم من المتحيزين، ثم يأتيهم وهو يقسم بالله جهد أيمانه اني معكم وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين، فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة أن لا يبيعها بأبخس الأثمان، وأن لا يعرضها غدا بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان، وأن يثبت قدميه في صفوف اهل العلم والايمان، وأن لا يتحيز الى مقالة سوى ما جاء في السنة والقرآن، فكأن قد كشف الغطاء وانجلى الغبار وأبان عن وجوه أهل السنة مسفرة ضاحكة مستبشرة، وعن وجوه أهل البدعة عليها غبرة ترهقها قترة، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير