قال ابن عباس تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه اهل البدعة والفرقة والضلالة، فوالله لمفارقة أهل الأهواء، والبدع في هذه الدار أسهل من موافقتهم إذا قيل: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} الصافات 22.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبعده الامام أحمد: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم، وقد قال تعالى: {وإذا النفوس زوّجت} التكوير 7، قالوا فيجعل صاحب الحق مع نظيره في درجته، وصاحب الباطل مع نظيره في درجته، هنالك والله يعض الظالم على يديه إذا حصلت له حقيقة ما كان في هذه الدار عليه، يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا.
فصل: وكان من قدر الله وقضائه أن جمع مجلس المذاكرة بين مثبت للصفات والعلو وبين معطل لذلك، فاستطعم المعطل المثبت الحديث استطعام غير جائع اليه، ولكن غرضه عرض بضاعته عليه، فقال له ما تقول في القرآن ومسألة الاستواء؟ فقال المثبت: نقول فيها ما قاله ربنا وتعالى وما قاله نبينا صلى الله عليه وسلم، نصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله كم غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، بل نثبت له سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وننفي عنه النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقات، اثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، أو ما وصفه به رسوله تشبيها، فالمشبّه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والموحد يعبد الها واحد صمدا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والكلام في الصفات كالكلام في الذات، فكما انا نثبت ذاتا لا تشبه الذوات، فكذلك نقول في صفاته أنها لا تشبه الصفات، فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلا نشبه صفات الله بصفات المخلوقين، ولا نزيل عنه سبحانه صفة من صفاته لأجل تشنيع المشنعين، وتلقيب المفترين، كما أنا لا نبغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسمية الراوفض لنا نواصب، ولا نكذب بقدر الله ولا نجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية لنا مجبرة.
ولانجحد صفات ربنا تبارك وتعالى اتسمية الجهمية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية، ورحمة الله على القائل:
فإن كان تجسيما ثبوت صفاته ××× فاني بحمد الله لها مثبت
الى:
فإن كان تجسيما ثبوت صفاته ××× لديكم فاني اليوم عبد مجسم
ورضي الله عن الشافعي حيث يقول:
ان كان رفضا حب آل محمد ××× فليشهد الثقلان إني رافضي
وقدس الله روح القائل وهو شيخ الاسلام ابن تيمية اذ يقول:
ان كان نصبا حب صحب محمد ××× فليشهد الثقلان اني ناصبي
فصل: واما القرآن فإني أقول أنه كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ واليه يعود، تكلم الله به صدقا، وسمعه جبريل حقا، وبلغه محمدا صلى الله عليه وسلم وحيا، وإن {كهيعص} مريم 1، و {حم عسق} الشورى 1، و {الر} يوسف 1، و {ق} ق1، و {ن} القلم 1، عين كلام الله حقيقة، وان الله تعالى تكلم بالقرآن العربي الذي سمعه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وان جميعه كلام الله، وليس قول البشر، ومن قال أنه قول البشر فقد كفر. والله يصليه سقر، ومن قال ليس لله بيننا في الأرض كلام فقد جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله بعثه يبلغ عنه كلامه، والرسول انما يبلغ كلام مرسله، فاذا انتفي كلام المرسل انتفت رسالة الرسول، ونقول أن الله فوق سمواته مستو على عرشه بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وأنه تعالى اليه يصعد الكلم الطيب وتعرج الملائكة والروح اليه وإنه يدبّر الأمر من السماء الى الأرض، ثم يعرج اليه، وان المسيح رفع بذاته الى الله وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج به الى الله حقيقة، وان أرواح المؤمنين تصعد الى الله عند الوفاة فتعرض عليه وتقف بين يديه، وأنه تعالى هو القاهر فوق عباده وهو العلي الأعلى وانا المؤمنين والملائكة المقربين يخافون ربهم من فوقهم، وأن أيدي السائلين ترفع اليه وحوائجهم تعرض عليه فإنه سبحانه هو العلي الأعلى بكل اعتبار، فلما سمع المعطل منه ذلك أمسك، ثم أسرّها في نفسه وخلي بشياطينه وبني جنسه وأوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا وأصناف المكر والاحتيال.
¥