فلا يرون أن عهد الذمي ينتقض وإن سب الله ورسوله , أو نقض كل ما عاهدناه عليه , وهم على غرار غلاة المرجئة لا يُكفّرون من نطق بالشهادتين ولو أتى بكل نواقضها , وسبحان الله العظيم ((أتواصوا به بل هم قوم طاغون)) فالمرجئة هي المرجئة.
ومرجئة السفهاء في عصرنا لا يرون انتقاض عهد "المعاهد" ولو جلد ظهرك وانتهك عرضك , وتجسس عليك أو سب الله ورسوله على أرضك .. فأعطوه العصمة المؤبدة.
فإذا كان " المسلم " الناطق بالشهادتين القائم بأركان الاسلام لا يُحقن دمه إذا سب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكيف بالذمي "المعاهد"؟
وكما أن المسلم إذا ارتد كانت عقوبته أغلظ , فإن "المعاهد " الساب هو الآخر عقوبته أغلظ.
قال شيخ الاسلام:
" والمسلم إذا سب يصير مرتداً ساباً، وقتل المرتد أوجب من قتل الكافر الأصلي، و الذمي إذا سب فإنه يصير كافراً محارباً ساباً بعد عهد متقدم، وقتل مثل هذا أغلظ. "
(18) سبب ذكر حادثة اغتيال كعب في الصارم ووجه استدلاله بها.
كما يقولون فإن الموضوع يُعرف من عنوانه , وكتاب ابن تيمية رحمه الله " الصارم المسلول على شاتم الرسول " هو الكتاب الذي خصصه رحمه الله ليثبت فيه بالأدلة أن حد سب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو السيف , وما توانى في كتابه من سرد الدليل إثر الدليل ليثبت ذلك , وما كان سرده لقصة اغتيال كعب إلا واحدا من أدلته لكي يثبت فيها أن حد الساب هو السيف , يستوي في ذلك الساب " المسلم " أو "المعاهد" أو "المستأمن ". فالمسلم بسبه يكون مرتدا , وإن تاب لا يسقط عنه الحد , والمعاهد والمستأمن ينتقض عهده ولا يسقط عنه الحد حتى لو عاد لعهده أو أسلم.
قال شيخ الاسلام:
" أنّّا قد قررناأن المسلم إذا سب الرسول يُقتل وان تاب بما ذكرناه من النص والنظر , والذمي كذلك , فإن أكثر ما يفرق به إما كون المسلم يتبين بذلك أنه منافق أو انه مرتد , قد وجب عليه حد من الحدود فيُستوفى منه ونحو ذلك , وهذا المعنى موجود في الذمي , فإن إظهاره للإسلام بمنزلة إظهاره للذمة , فإذا لم يكن كان صادقا في عهده وأمانه لم نعلم أنه صادق في اسلامه وايمانه , وهو معاهد قد وجب عليه حد من الحدود , فيستوفى منه كسائر الحدود " م3/ 850"
(19) رد على شبهة نشأت عند بعض الفقهاء.
فكل ما تقدم هو وجه استدلاله بقصة اغتيال كعب ابن الأشرف ,
وهنا يريد أن يؤكد ويرد على شبهه نشأت عند بعض الفقهاء فظن أن انتقاض عهد كعب (الذنب الأول) هو المبرر لإجازة الفتك به , قال شيخ الاسلام:
" وقد زعم الخطابي أنهم إنما فتكوا به لأنه كان قد خلع الأمان, ونقض العهد قبل هذا, وزعم أن مثل هذا جائز في الكافر الذي لا عهد له كما جاز البيات والإغارة عليهم في أوقات الغِرَّة "
رد شيخ الاسلام:
"ولكن يقال: هذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمناً, وأدنى أحواله أن يكون له شبهة أمان, ومثل ذلك لا يجوز قتله بمجرد الكفر؛ فإن الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمناً بأقل من هذا كما هو معروف في مواضعه, وإنما قتلوه لأجل هجائه وأذاه للهِ ورسوله.
(20) عقد أمان جديد لكعب ابن الآشرف؟!!
مما تقدم يتضح أن شيخ الاسلام اعتبر كلام محمد بن مسلمه لكعب ابن الآشرف قبل اغتياله هو بمثابة عقد أمان جديد لكعب " هذا الكلام الذي كلموه به صار مستأمنا, وأدنى أحواله أن يكون له شبهة أمان, ومثل ذلك لا يجوز قتله بمجرد الكفر؛ فإن الأمان يعصم دم الحربي ويصير مستأمناً بأقل من هذا "
وقال في موضع آخر ليوضح ذلك ويؤكده:
" وقد كان معاهدا قبل ذلك , ثم هجا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ , وقتله الصحابة غيلة بأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع كونه أمنّهم على دمه وماله لاعتقاده بقاء العهد , < ولأنهم جاؤوه مجئ من قد آمنه , ولو كان كعب بمنزلة كافر محارب فقط لم يجز قتله إذا أمّنهم كما تقدم , لأن الحربي إذا قلت له أو عملت معه ما يعتقد أنه أمان صار له أمان > وكذلك كل من يجوز أمانه " (ص768)
(21) كيف دخل كعب في أمان جديد , وما الكلام الذي كلموه به فصار مستأمنا؟
قال شيخ الاسلام:
"
¥