تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم قالوا على لسان كبرائهم من أمثال هرتزل ووايزمان؛ قالوا: بأن هذه البلاد وُعدوا بها في "التوراة" من أنبيائهم، ولذلك يسمونها "أرض الميعاد"، كانوا يقولون هذا والناس تهزأ بهم، ثم أعادوه وقالوا: "انظر؛ أليس وقوع هذا دليلا على صدقنا وصدق أنبيائنا؟ ". فغلّّطوا الكثيرين، وضللوا الكثيرين، وأصبح الناس يتساءلون: "أصحيح ذلك؟؛ أن أنبياء الله من أنبياء بني إسرائيل قالوا لليهود: ستعودون يوما لهذه البلاد، ويكون لكم شأن؟ ".

هل لإسرائيل ذكر في مصادر التشريع الإسلامية؟:

إن كان ذلك كذلك؛ ما هو موقف الإسلام، وماذا يقول القرآن آخرُ هذه الكتب والمهيمن على تلك الكتب، ماذا يقول نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام في تفسير هذه الآيات إن وُجدت؟، أو في الاستيناس بذلك إن لم يوجد في القرآن؟.

هذا سؤال سمعته في المشرق وفي المغرب، وفي جامعات مشرقية ومغربية، وأنا حدث معي – كما قلت أول الكلام – وأنا في سلا، عندما قامت هذه الدولة قلت: "كيف يكون ذلك؟ ". كان فهمي كفهم العموم: أن اليهود لن تقوم لهم قائمة بعدما ضرب الله عليهم من ذل وهوان. فإذا بي أفاجأ بأن الدولة قد قامت، كيف يجتمع الذل والهوان مع هذه الدولة؟. هذا ما لم يحتمله عقلي، ولم تتحمله نفسي لمدة أيام.

الإسلام حاول احتواء اليهود قبل أن ينقلبوا عليه:

هؤلاء الذين هم عنصر فساد، الإسلام حاول في أيامه الأولى بقيادة صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام، عندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وكانوا إذذاك هم الظاهرين والبارزين، وأصحاب التجارة، وأصحاب الثقافة والدراسة، والكلام على ماضي الدنيا وعلى حاضرها ومستقبلها، في المدينة المنورة، التي كانوا يسمونها "يثرب"، وغير اسمها عليه الصلاة والسلام، وحَرَّج على المسلم أن يسميها بعد ذلك "يثرب"، فأصبحت "مدينة"، وأصبحت "طابة"، قدسها الله، وزادها تقديسا واحتراما.

فعاملهم [الرسول عليه الصلاة والسلام] بما لم يسبق أن عومل به أحد من غير المسلمين، دخل المدينة، وكانوا مسالمين في الأول، وكانوا يقولون للأوس والخزرج من سكان المدينة: "يوشك أن يظهر نبي جديد، فنكون معه وننتقم منكم".

جاء النبي الجديد، وكانوا يظنونه إسرائيليا، فوجدوه عربيا قرشيا، فحسدوه، وأصروا على عدم الإيمان به، وعلى الكفر به وجحوده. ولكنهم عندما ذهب إليهم رسول الله عليه الصلاة والسلام للمدينة المنورة مهاجرا بنفسه وبأتباعه وبدينه؛ قابلوه لأول مرة على أنه سيكون مساعدا لهم ونصيرا، ويتركهم من غير دعوة إلى دينه. فخرجوا يستقبلون مع من استقبله خارج المدينة على أميال، وهزجوا مع الهازجين:

طلع البدر علينا=من ثنيات الوداع

وضربوا الدفوف مع الضاربين، وقالوا للأوس والخزرج: "قد جاء حظكم يا بني الخزرج ويا بني الأوس".

لكن عندما دعاهم النبي عليه الصلاة والسلام للدخول في دينه؛ حاصوا حيصة حمُر الوحش، وهاجوا وماجوا، وقالوا: "ما كنا نظن ذلك!، نحن على دين، لسنا نحتاج لغير ديننا، ولنا أنبياء وقادة، فلسنا نحتاج إلى غيرهم".

فقال لهم نبينا عليه الصلاة والسلام: "دينكم بُدل، ودينكم غُير، التوراة زيد فيها وحُرفت، والإنجيل زيد فيه وحُرف، وأنا نبي الله إلى الناس كافة، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي". عليه الصلاة والسلام. وأخبر بأن عيسى – أيضا – سينزل في آخر الزمان إلى الأرض، وبشرت بذلك آيات الله وكتابه، وسينزل على دينه، وسيحج حجه، وسيعتمر عمرته، ويصلي خلف أئمة المسلمين.

سكتوا على مضض، فعقد معهم عليه الصلاة والسلام معاهدة – كما يقال اليوم بلغة عصرية: اعتبرهم مواطنين – وأعطاهم من الحقوق ما فرض عليهم من الواجبات، لم يميزهم بشيء ميز به أصحابه، سواء من أهل مكة الذين سموا بعد هجرتهم بالمهاجرين، أو من الأوس والخزرج سكان المدينة الذين سموا بعد ذلك بالأنصار.

وهذه المعاهدة طويلة، أطول معاهدة عرفت لنبي الله عليه الصلاة والسلام، وأول معاهدة عقدت في فاتح الإسلام مع غير المسلمين، مدونة معروفة في كتب السنة وكتب السير، وكتب التاريخ، وجُمعت أخيرا في كتاب "الوثائق النبوية" بأكثر رواياتها، هذا الكتاب طبع عدة مرات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير