بدأناهم ولأول مرة خلال هذه الحروب: "تقاتلكم يهود، فتقاتلونهم": لأول مرة ابتدأنا نقاتلهم، وفي خلال ساعات - أيضا - كان قيام فرعون الجديد، خلال ساعات أضاعت البلاد والعباد، أيام فيصل والسادات خلال ساعات جئنا لما سموه الحصن، ولما سموه الصاع، ولما سموه أنه أعظم خط ناجين وخط وخط، خط برلين، فخربوه خلال ساعات، وبأشياء اخترعت لم يذكروها جميعا، وأعظم ما ظهر من كتب في المعركة: كتاب كتبه خمسة ضباط عسكريين شاركوا في المعركة، ذكروا عجائب وغرائب، وسكتوا عن كثير، قالوا: "لم يحن الوقت بعد لنذكرها". وأصبحت هذه المعركة بجميع تفاصيلها تدرس في الكليات الحربية في العالم، في بلاد العدو، وفي البلاد الصديقة. "فتقاتلونهم": المرحلة الثانية مضت، ماذا يبقى؟.
المرحلة الثالثة: "فتنتصرون عليهم": أنا قلت في أيام المعركة ولم أكن أصدقها إلا بعد أيام، وأكرمني الله وذهبت بعد ذلك إلى مصر، قصد الوفود عليها وإلقاء المحاضرات في جامعتها، فقلت هذا وذكرته، ونوهت به بين عسكريين ومدنيين وسياسيين وغيرهم.
المعركة الثالثة: قلت عن المعركة: "مع ذلك هي فجر كاذب سيعقبه فجر صادق"، والفجر الكاذب مع الفجر الصادق متصلان، بينهما زمن قليل، والأشياء نسبية، نحن الآن على أبواب الفجر الصادق، كيف سيكون؟، الله أعلم.
وقد شاء وحدثنا بذلك من لا ينطق عن الهوى محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام: "فتقاتلونهم فتنتصرون عليهم"، هذا الانتصار سيكون ساحقا. بيانه بالتفصيل: هذا النصر حتى يقول الشجر والحجر والمدر: يا عبد الله، يا عبد الرحمن، يا مسلم"، لا حاجة إلى نطق لا حجر ولا شجر ولا مدر، ولكنه لسان الحال. كيف ذلك؟.
اليهود جعلوا من فلسطين – ولا يزالون يجعلون – حصنا بأكمله، جعلوا من الشجر، ومن المزارع، ومن الدور، ومن الحديد، حصونا من فولاذ، وإن كان عندما يأتي أمر الله لا فولاذ ولا غير فولاذ، تحطمَ مع برلين، وانتهى، وانتهى مع برلين، وأصبح في الأمس الدابر، وأصبح أسطورة وخرافة، هم وإياه.
هذا النصر سيكون من الحرب التي يسمونها باللغة العسكرية الحديثة: ["الأرض المحروقة"]؛ الحرب الحارقة المدمرة، التي لا تبقي على الأرض حيا، لا من إنسان، ولا من حيوان، ولا من طائر، ولا يبقي بناء على بناء، ولا يبقي شجر قط، هذا الذي سيحدث، سيذهب البناء، كل الأبنية كلها ستصبح خرابا، الأشجار وما يبنون من غابات ستصبح جذوعا، على عادة اليهود في حروبهم لا يقاتلون كما قال تعالى عنهم: {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جُدُر بأسهم بينهم شديد}. [الحشر/ 14]. صدق الله العظيم.
وحربهم القديمة التي حكي لنا عنهم، وسواء في العهد النبوي أو في عهودهم في حربنا معهم، اليهودي لا يحاربك إلا وراء دبابة، إلا وراء مصفحة، إلا وراء حصن، إلا في طائرة في بعيد الأجواء، إذا قابلته وجها لوجه؛ يفر ويهرب، وهذا تراه في حرب الكرامة وحرب وحرب وحرب؛ وقع لليهود ما لا يخطر لهم ببال.
هؤلاء عندما ستهدم حصونهم وما كانوا يلهفون ويختفون وراءه؛ سيحاول أن يختفي منهم من سيبقى، وسوف لا يجد ما يختفي فيه إلا خرائب لا تكاد تخفي جسده كله، وإلا جذوع الشجر لا تكاد تخفي جسده كله، فيحاول أن يختفي، فيبقى رأسه وشيء من جسده ظاهرا، فكأن تلك الحجارة والخراب، وكأن تلك الجذوع الباقية من الغاب والشجر، تقول كما قال النبي: "هذا يهودي خلفي؛ تعال فاقتله! ". فيجهز عليه فيُقتل، ويتنادى بشعار الإسلام: يا عبد الله يا عبد الرحمن يا مسلم، [عبد الله و] عبد الرحمن: اسم إسلام، وآخر باسم الإسلام مباشرة: يا مسلم.
عندما سيكون الفجر الصادق، ونحن على أبوابه بفضل الله، ستكون المعركة إسلامية، انتهينا من خرافة القومية العربية والوطنية ... وغيرها. العرب لم يكن لهم شأن إلا بالإسلام، وعندما حاولوا أن يتركوا الإسلام ذلوا، وأصبحوا أتباعا لليهود والنصارى، عندما غيروا القيادة المحمدية بقيادة ماركس ولينين، وبقيادة الوجوديين، وبقيادة هذه الأسماء القذرة الوسخة؛ امتُهنوا وذلوا، ولا يزالون، وعندما سينتهي ذلك، بعد أن أخذوا العبرة من الواقع؛ ستتحول المعركة، وينقلب الوضع، عندما قدموا فيصل – رحمه الله – انتهت الدعوة إلى القومية وإلى الوطنية، وإلى غير هذا الكلام الذي ما عاد على المسلمين إلا بالذل والهوان، تحولت المعركة إسلامية بداية.
¥