تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أعلن هذا الأستاذ عبد الحليم -تفاعل الحضارات لا تصارعها- في العدد الافتتاحي لمجلة (المسلم المعاصر)، الذي كان هو صاحب فكرتها، والذي جمع لها المفكرين والعلماء مرات ومرات، من بلاد شتَّى في جلسات طويلة، حتى تبلورت فكرتها، وظهرت إلى الوجود تعبِّر عن هدف ورسالة، ولا سيما رسالة الحوار، ولا زالت موصولة العطاء إلى اليوم، بفضل جهود أخينا وصديقنا الأستاذ الدكتور جمال الدين عطية حفظه الله.

ولقد تجلَّى اتجاهه النقدي والحواري منذ مقالته الأولى في المجلة (أزمة العقل المسلم المعاصر) التي أشرنا إليها من قبل.

نتعاون في المتفق عليه ونتحاور في المختلف فيه:

ولقد كنت أتحدث معه مرة حول (قاعدة المنار الذهبية) التي وضعها العلامة المُجدِّد الشيخ رشيد رضا، وروَّج لها في مجلته، ودعا إليها، وهي التي تقول: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)، وهي من قواعد التسامح المهمة، والتي تشرع للعمل المشترك بين المختلفين، ولا تشترط الاتفاق في كل شيء، ليبدأ عمل مشترك لمصلحة الأمة.

لكن أبا عبد الرحمن رحمه الله، كان له تعليق على الشقِّ الثاني من هذه القاعدة، وهو: أنه اقترح أن تكون القاعدة هكذا: (نتعاون في المتفق عليه، ونتحاور في المختلف فيه).

فقد رأى أن عذر بعضنا بعضا وإن كان مفيدا في إشاعة خلق التسامح: أمر سلبي، لا يقدم جديدًا للعلم والفكر، وستظل هذه القضايا الخلافية ثابتة جامدة أبد الدهر، فلماذا لا نذيب هذا الجليد، ونتحاور في أمرها بروح علمية حيادية، وبمنهج عقلي موضوعي لا يحتكم إلى العواطف، ولا إلى الشائع بين الناس، فلعل هذا الحوار يخفف من حدة الخلاف، أو يقرب بين المتخالفين.

قلت له: إذا كانت قاعدة الشيخ رشيد رحمه الله، سميت (القاعدة الذهبية) فإن قاعدتك هذه جديرة أن تسمى: (القاعدة الماسيَّة)!

الثوابت لا تمنع الحوار:

ومن حرص الأستاذ عبد الحليم رحمه الله، على إرساء دعائم الحوار والترغيب فيه، وإشاعة الدعوة إليه بين المثقفين، سواء كانوا دينيين أم وضعيين: أنه لم يرَ (الثوابت العَقَدية والفكرية) عقبة تقف في سبيل الحوار، وتمنع من إجرائه والاستفادة من ثماره.

وقد عرض لهذه القضية -وهو يناقش أمر الحوار- في كتابه القيِّم الخصب الذي نُشر بعد وفاته، مستمدًا من أوراقه الثرية الكثيرة التي خلفها لمَن بعده، والذي سُمِّي (نقد العقل المسلم: الأزمة والمخرج) والذي كتب مقدمته المفكر المسلم الكبير الدكتور محمد عمارة.

أجل، عرض لمسألة الثوابت، وعلاقتها بالحوار، وتأثيرها فيه، وناقشها بصراحة وشجاعة وموضوعية، وكان مما قاله فيها:

(أما القضايا الجديدة أو المتجددة المتطورة في حياة الإنسان، فهي قضايا تثيرها الحياة المتطورة، وهي قضايا ما زال الإنسان يبذل جهده في تأملها وبحثها ودراستها، ويشعر أنها بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتريث والتأمل، وطرحها للحوار إحدى الوسائل المعينة للبحث والدراسة والتأمل.

وما دامت هذه الأفكار المُتجدِّدة مطروحة بهذا القصد -أي للحوار- فهي أشبه بمرحلة التجريب في مجال تحسين زراعة محصول ما أو اكتشاف دواء ما، وطرحها للحوار حولها فرصة لتعاون عدة عقول على الدراسة والبحث والتأمل.

ومن مميزات الحوار الجاد الذي نريده ما يلي:

§ الحوار نوع من (عمل الفريق) لا عمل الفرد.

§ الحوار يجلو الصدأ الذي قد يصيب العقل، بكسر القيود والسدود التي قد تكون مُترسِّبة في عقل الفرد، ويكشف علاقات منطقية كانت غائبة عن عقل الفرد.

§ يربط النتائج بأسبابها، وقد يغفل الفرد عن هذا الربط.

§ يربط الظواهر بالبواطن، وقد يغفل الفرد عن هذا الربط.

§ يوفر النظرة الشاملة للموضوع، وقد يقف عقل الفرد عند بعض جوانب هذا الموضوع فقط.

§ الحوار يصقل الفكرة (الرأي والاجتهاد).

§ الحوار نوع من التجربة، وكما أن التجربة تدعم الفرضية أو تُعدِّلها أو تُلغيها، فكذلك الحوار يدعم الفكرة أو يُعدِّلها أو ينفيها.

§ الحوار في مجال الفكر يقوم مقام إجراء التجارب في مجال المادة، وإن كان لا يتوافر في مجال الفكر ما يختبر صحة الفرضية، فإن ندوة الحوار هي في مقام مختبر التجارب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير